تحديات وفرص إدارة النفايات العضوية

نور سليمان

تُشكّل النفايات العضوية نسبة كبيرة من إجمالي النفايات الصلبة الناتجة عن الأنشطة البشرية اليومية، وتشمل بقايا الطعام، والمخلفات النباتية والحيوانية، ومخلفات الصناعات الزراعية والغذائية، وحتى بعض مكونات الصرف الصحي. ورغم أن هذه النفايات قابلة للتحلل ويمكن إعادة تدويرها وتحويلها إلى سماد طبيعي أو مصادر طاقة متجددة، إلا أنّ واقع التعامل معها في سوريا لا يزال محدوداً وضعيفاً من حيث التنظيم والاستثمار، سواء على المستوى الرسمي أو الأهلي.

توضّح المهندسة الزراعية، مرح سليمان حمد عزام، طالبة الدراسات العليا في كلية الزراعة بجامعة دمشق، أن الطرق التقليدية هي السائدة في المناطق الريفية وبعض المزارع السورية للتعامل مع النفايات العضوية، حيث تُجمع مخلفات المحاصيل الزراعية وروث الحيوانات في حفر خاصة أو تُكدّس على شكل أكوام، وتُترك لتتخمر طبيعياً. تعرف هذه العملية محلياً بالتسميد الطبيعي أو التخمير، وهي طريقة بسيطة وفعّالة نسبياً لإنتاج سماد عضوي يعزز من خصوبة التربة ويُقلل مُن الاعتماد على الأسمدة الكيميائية، ورغم عدم وجود إطار تنظيمي رسمي أو تقني لهذه الممارسات، إلا أنها تُعد من الوسائل المستدامة بيئيًا إذا تم تطويرها وتوسيع نطاقها.

تشير المهندسة عزام في حديث لمجلة لحلاح إلى أن المبادرات المحلية لإعادة تدوير النفايات العضوية أو الاستفادة منها لا تزال “خجولة”، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها نقص الدعم المادي، غياب برامج التمويل، وعدم وجود سياسات وطنية تشجع الاستثمار في هذا المجال. مع ذلك، ظهرت بعض التجارب الفردية والمحدودة، أبرزها استغلال روث الأبقار لإنتاج غاز الميثان، وهو ما يعكس إمكانية تحويل النفايات العضوية إلى مصدر للطاقة النظيفة بالتوازي مع إنتاج السماد الطبيعي.

يؤدي غياب منظومة متكاملة لمعالجة النفايات العضوية إلى آثار بيئية وصحية بالغة الخطورة، بحسب عزام، فهذه النفايات تُعد بيئة خصبة لتكاثر الحشرات والقوارض، ما يجعلها ناقلاً رئيسياً للأمراض للإنسان والحيوان. كما أن تراكم النفايات العضوية دون معالجة يُسهم في تلوث التربة والمياه الجوفية، ويزيد من انبعاثات الغازات الدفيئة، مما يعمّق من أزمة التغير المناخي في البيئة السورية الهشة أصلًا.

إضافة إلى ذلك، ترى عزام أنه لا توجد حتى الآن برامج تعليمية أو حملات توعوية منظمة تدعم ثقافة فرز النفايات أو التوعية بأهميتها في الصحة العامة والزراعة المستدامة. ويُلاحظ ضعف في وعي السكان بأهمية التمييز بين النفايات العضوية وغير العضوية. ومع ذلك، ترى المهندسة عزام أن الحاجة البيئية الملحة ستفرض، عاجلاً أم آجلاً، على الدولة والمجتمع المحلي ضرورة التحرك في هذا الاتجاه، ونشر ثقافة إعادة التدوير والفرز من المصدر.

علاوةً على ذلك، يمثّل العائق الاقتصادي العقبة الأكبر أمام أي محاولة جادة لإنشاء مشاريع متخصصة في تدوير أو تحويل النفايات العضوية إلى طاقة أو سماد. فهذه المشاريع تتطلب استثمارات مبدئية مرتفعة نسبياً، فضلاً عن ضعف البنية التحتية، وغياب الحوافز التشجيعية للمستثمرين. ويُضاف إلى ذلك النقص في الكوادر المدربة والتقنيات المناسبة، خاصة في المناطق التي تضررت بفعل الحرب.

في عدد من الدول النامية، أثبتت التقنيات الحيوية القائمة على استخدام ذبابة الجندي الأسود فعاليتها في إدارة النفايات العضوية وإنتاج مصادر بديلة للأعلاف.

في مدينة باندونغ الإندونيسية، عانت السلطات المحلية من تراكم ضخم للنفايات العضوية في الأسواق، ما دفع منظمة بيئية إلى إطلاق مشروع لتربية يرقات ذبابة الجندي الأسود بهدف تحويل هذه المخلفات إلى منتجات مفيدة. جُمعت النفايات الغذائية من المطاعم والأسواق يوميًا، وقُدمت كغذاء لليرقات لمدة عشرة أيام، وبعد ذلك تم جمعها وتجفيفها لإنتاج مسحوق بروتيني يُستخدم كعلف للدواجن والأسماك. كما تم بيع المواد المتبقية كسماد عضوي للمزارعين. وقد نجح المشروع في تقليل النفايات العضوية بنسبة 30% خلال عام واحد، وإنتاج أكثر من 20 طناً من السماد سنوياً، وتحقيق إيرادات اقتصادية من بيع العلف.

وفي كينيا، استثمرت شركة ناشئة في تربية نفس النوع من اليرقات لتوفير بديل اقتصادي لفول الصويا ومسحوق السمك في صناعة أعلاف الدواجن. وقد أدى المشروع إلى خفض تكاليف الإنتاج بنسبة 25%، وتحقيق نمو أسرع للدواجن بنسبة 15%، مما يُبرز القيمة التجارية العالية لهذه التقنية.

تُظهر هذه النماذج أن الاعتماد على الحلول الحيوية مثل ذبابة الجندي الأسود ليس فقط وسيلة فعالة لتقليل حجم النفايات العضوية، بل فرصة اقتصادية لدعم الزراعة وتربية الحيوانات بطرق منخفضة الكلفة وأكثر استدامة، وهو ما يمكن أن يكون نموذجاً ملائماً للتطبيق في سوريا ضمن ظروف مشابهة.

وفي هذا الإطار، تعمل الباحثة، مرح عزام، على دراسة إمكانية استخدام يرقات ذبابة الجندي الأسود Black Solider Fly كإضافة علفية بديلة عن مصادر البروتين التقليدية، ضمن بحثها لرسالة الماجستير. وتركّز الدراسة على الفوائد البيئية والاقتصادية لهذه التقنية، كونها تسهم في تقليل حجم المخلفات العضوية وتحويلها إلى مورد مستدام يُستخدم في تغذية الحيوانات، مما يعزز من كفاءة إنتاج الأعلاف ويحدّ من التلوث البيئي في آن معاً.

يكشف واقع إدارة النفايات العضوية في سوريا عن فجوة واضحة بين الإمكانيات الطبيعية الكبيرة، خصوصاً في المناطق الزراعية، وبين القدرات المؤسسية والتنظيمية المحدودة. ورغم وجود نماذج فردية واعدة، إلا أن توسيع نطاقها يتطلب تبنّي سياسات وطنية تشجع على الاستثمار في مشاريع إعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى طاقة أو سماد، بالإضافة إلى إطلاق حملات توعية مجتمعية تُعزز ثقافة الفرز من المصدر، وتكاملها مع المناهج التعليمية.

إن توفير الدعم الفني والمالي للمبادرات المجتمعية والخاصة، وتفعيل دور الجامعات ومراكز البحث العلمي في تطوير تقنيات محلية مثل تربية ذبابة الجندي الأسود، يمثل خطوة جوهرية نحو تكامل اقتصادي-بيئي يُسهم في تحسين الصحة العامة، ودعم الأمن الغذائي، وتعزيز الاستدامة الزراعية في سوريا.

Scroll to Top