تراجع الإنتاج الزراعي في سوريا

نوار الخطيب –

يعاني القطاع الزراعي في سوريا، كغيره من قطاعات الاقتصاد، من تدهور حاد منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، ويشكّل تعافي هذا القطاع الحيوي أحد أبرز التحديات التي ستواجه الإدارة السورية الجديدة عقب الإطاحة بالنظام السابق نهاية العام الفائت.
هذا التراجع جاء نتيجة لعدة عوامل، أبرزها الأعمال الحربية والظروف الأمنية المتردية، التغيرات المناخية، العقوبات الاقتصادية، وانخفاض الدعم الحكومي، ما أثّر بشكل مباشر على الأمن الغذائي لملايين السوريين، الذين كانوا يعتمدون بشكل كبير على المحاصيل الزراعية كمصدر أساسي للدخل، وتحوّلت سوريا من منتج ومُصدّر للعديد من المحاصيل إلى الاعتماد بشكل متزايد على الاستيراد والمساعدات الخارجية.

تأثير الحرب على القطاع الزراعي

تسبّبت عمليات القصف والأعمال القتالية المستمرة منذ عام 2011 إلى تدمير واسع للبنية التحتية الزراعية، إذ طال الدمار قنوات الري والآبار، وخرجت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية عن الخدمة بسبب المعارك أو نتيجة لتلوثها بالمخلفات الحربية والألغام، كما تعرّض كثيرٌ من المستودعات والمزارع للقصف ما أدى إلى خسارة كميات هائلة من المحاصيل الزراعية. 

وكان لسياسة الأرض المحروقة والتهجير التي اتبعها النظام السوري وروسيا وبعض الميليشيات خلال السنوات الأخيرة الأثر الأكبر على البنية التحتية، لما نتج عنها من تدمير للتربة والأشجار والمحاصيل الزراعية، سواء بسبب الإحراق المتعمد للمحاصيل لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية، أم بسبب استخدام الأسلحة الثقيلة والكيميائية. كل ذلك أسفر بدوره عن تلوث التربة والمياه وحتى الهواء.

مع تصاعد وتيرة النزاع، اضطر ملايين السوريين للنزوح داخلياً وخارجياً، ما أدى إلى نقص حاد في الأيدي العاملة الزراعية بعد أن اضطر عشرات الآلاف من المزارعين إلى ترك أراضيهم بسبب انعدام الأمن، ما تسبب بدوره إلى تراجع الإنتاج في كثير من المناطق الزراعية. 

علاوةً على ذلك، ونتيجة للحرب والعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على سوريا بسبب ممارسات نظام الأسد، عانى السوريون من نقص حاد في متطلبات الزراعة الأساسية، مثل الأسمدة والمبيدات والبذور المحسّنة، ما أدى إلى زيادة تكلفة الإنتاج وانخفاض إنتاجية الأراضي الزراعية بشكل كبير. 

كذلك تعرّضت سوريا خلال العقد الأخير لموجات من الجفاف الشديد، وسجلت تراجعاً في كمية الهطولات المطرية، ما أثر سلبا على الإنتاج الزراعي، إلى جانب ندرة مصادر المياه، وخاصة في المنطقة الشرقية  نتيجةً لتعمّد تركيا تخفيض تدفّق مياه نهر الفرات، وهو ما أدى إلى تصحّر مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية. 

ذكر تقرير لوكالة رويترز مطلع العام الجاري أن الاقتصاد السوري انكمش بأكثر من 50% بين عامي 2010 و2021، وفقاً للبيانات الرسمية، بينما تشير تقديرات البنك الدولي إلى انكماش بنسبة 84% خلال نفس الفترة استناداً إلى انبعاثات الضوء الليلي كمؤشر للنشاط الاقتصادي، ووفقاً للتقرير بلغ حجم الاقتصاد السوري عام 2022 حوالي 23.63 مليار دولار فقط، ما يضعه في مرتبة مماثلة لدول مثل ألبانيا وأرمينيا ذات تعداد سكاني أقل بكثير. 

ووفقاً للتقرير انخفض الإنتاج الزراعي إلى مستويات قياسية في عامي 2021 و2022، إذ تراجع إنتاج القمح على سبيل المثال إلى ربع ما كان عليه قبل عام 2011، حيث كان يبلغ حوالي 4 ملايين طن سنوياً، ما دفع النظام السابق إلى استيراد حوالي مليون طن من الحبوب سنوياً من روسيا، ولكن توقفت هذه الواردات بعد التغيرات السياسية الأخيرة.

كما تراجع إنتاج القطن بنحو 80% بسبب نقص المياه وغياب الدعم الحكومي والحرائق، وتعرّضت أشجار الزيتون في إدلب وحلب لتدمير واسع بسبب العمليات العسكرية، وتشير التقديرات إلى أن خسائر القطاع الزراعي السوري بلغت بالمجمل نحو 16 مليار دولار أمريكي، وتشمل الخسائر تدمير الأصول الزراعية كالآليات والمعدات ومراكز تخزين وتوزيع المنتجات الزراعية، فضلاً عن تراجع الإنتاج الحيواني، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.

مما لا شكّ أن الحكومة المؤقتة ستواجه تحديات اقتصادية هائلة بعد أكثر من عقد من الحرب والعقوبات التي دمرت الاقتصاد السوري للتعامل مع الفقر المتفشي، إذ لا بد من إعادة تأهيل البنى التحتية وخاصة قنوات الري، وتوفير دعم للمزارعين بالوقود والأسمدة والقروض الميسّرة، بما يسمح بتحفيز الإنتاج المحلي، وتعزيز الشراكات الدولية، إلا أن استمرار العقوبات، وانعدام الأمن في بعض المناطق، والتغيرات المناخية قد تجعل التعافي الكامل للقطاع الزراعي يتطلب وقتاً طويلاً إذا لم يترافق ذلك  مع سياسات زراعية مستدامة ودعماً دولياً حقيقياً.