مُذ أعلنا عن مشروع مجلة لحلاح البيئية توالت علينا التعليقات المُشجّعة والرسائل المُحبّة واقتراحات الشراكة، وفي الوقت ذاته وصلنا العديد من المنشورات التي تُسخّف هذا العمل وتصفنا بـ”السوريين البيض” أو “السوريين الأجانب” أو “أولئك الذين عاشوا في أوروبا، والآن يريدون أن يُنشئوا حزب الخضر في سوريا” وغيرها من الصفات التي نراها ظالمة في حقنا، وفي حق ما نعمل، بعد شهور من الجهود التطوعيّة من أجل إطلاق المجلة.
نتفهم أنّ الأساسي للسوريات والسوريين اليوم هو الأمان والخبز، لكن هل يعني هذا أن نعيش في بيئة ملوثة وتزداد خرابًا يومًا بعد يوم؟
لا بأس إن وُصفنا، حتى قبل أن ننطلق، بصفات تجرحنا، لكن ماذا عن السوريين/ات الذين يوزّعون منشورات في دمشق تدعو للحفاظ على النظافة وعدم رمي الأوساخ في الشارع؟ ماذا عن أولئك الذين يقومون بحملات تنظيف في شوارع المدن السوريّة المختلفة؟ بماذا نصف أولئك الذين يتطوعون لحماية الغابات في ريف حماة وريف اللاذقية؟ وماذا نقول عن الذين يزرعون الأشجار في أرض القامشلي القاحلة؟ أليسوا حماة البيئة، حتى وإن لم يستخدموا نفس الكلمات التي نستخدمها هنا؟
الوضع البيئي في سوريا من أسوأ ما يمكن لوضع بيئي أن يكون. حين يقف المرء فوق جبل قاسيون ويرنو نحو دمشق، يرى طبقة من الهواء الملوّث تسبح فوق المدينة. الهواء في دمشق مشبع بروائح المازوت والبنزين المُباع بعبوات صغيرة وقوارير مياه. مياه نبع الفيجة، مثل مياه نهر بردى، مثل مياه نهر الفرات، مثل الكثير من المسطحات المائية في سوريا، تكاد تجف، مما يؤدي إلى أنّ آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية تعاني نقصاً في مياه الري، ومئات الآلاف من البشر يعانون من نقص في المياه الصالحة للشرب.
النفايات في شوارع بلدات أرياف دمشق تتكدس تلالاً تلالاً أمام البيوت. تتكدس النفايات البلاستيكية فوق التلال والهضاب والجبال على طول البلاد وعرضها وفي قاع البحر المواجه للساحل السوري.
عدد كبير من الأطفال السوريين وُلدوا في السنوات الأخيرة وهم يعانون من أمراض عديدة أو من ضمور في بعض الأعضاء، كنتيجة للتلوث الذي سببه استخدام النظام السلاح الكيماوي ضد البلدات السوريّة المختلفة.
نستطيع عدّ عدد لا نهائي من الأمثلة عن أهمية القضايا البيئية، وأنّ الموضوع البيئي من أهم المواضيع التي تواجه السوريات والسوريين خلال السنوات القادمة، لذلك نرى أهمية كبرى في وجود صحافة بيئية، تساعد أولاً على رفع الوعي البيئي لدى مختلف شرائح المجتمع، وتسعى ثانياً إلى التأثير على صنّاع وصانعات القرار لوضع القضايا البيئية في صلب اهتماماتهم. لذلك أنشأنا مجلة لحلاح، والتي نعتقد أنّها المجلة السوريّة الأولى من نوعها، تضع البيئة في صلب اهتماماتها، وتعمل بمهنية وشفافية ومصداقية.
أمّا عن اسم لحلاح، فلم نقم باختيار الاسم عشوائياً، بل بحثنا لفترة زمنية طويلة عن اسم يعبّر عنّا وعن بلادنا ولم نرَ خيراً من لحلاح.
لحلاح هي وردة تُزهر في أماكن مختلفة من مناطق غرب آسيا، ولها أسماء محليّة كثيرة، ولها أنواع مختلفة مثل: لحلاح حوران، لحلاح القدس، لحلاح كوباني، لحلاح طوروسي، لحلاح قلموني، لحلاح كردي… إلخ. تُزهر معظم أنواع اللحلاح في نهايات الصيف وبدايات الخريف، مبشرّة بالمطر.
ارتأينا أنّنا، وبلادنا، نشبه اللحلاح. ننبت في كلّ أرض، لنا أسماء وأنواع مختلفة، جميلون نحن وبلادنا مثل هذه الزهرة، ونُبشر (ونأمل) بمستقبل أفضل لنا ولبلادنا.