ماهيّة وكيفيّة إدارة وحفظ الطاقة

ترجمة: لمى فخري، أسامة الفاضل – 

إدارة الطاقة هي مصطلح يحمل العديد من المعاني، ولكن بالنسبة لنا فإن معنى هذا المصطلح مرتبط بحفظ الطاقة وتوفيرها في مجال الأعمال والقطاعات العامة والمنازل.

عندما يتعلق الأمر بـ حفظ الطاقة، فإن إدارة الطاقة هي عملية مراقبة وإدارة وحفظ الطاقة في المباني والمؤسسات. وهذا يتوجب الخطوات التالية:

1- مراقبة وقياس استهلاك الطاقة وجمع المعلومات.

2- إيجاد الطرق من أجل حفظ الطاقة وتقدير كم من الطاقة يمكن أن توفرها كل طريقة. وذلك بواسطة التحليل المنهجي للقيم المقاسة من أجل إيجاد وتحديد مصادر الهدر اليومي وبنفس الوقت حسب كمية الوفر في الطاقة عند استخدام الطرق البديلة، كتغير المعدات المستخدمة مثل مصابيح الإضاءة أو تحديث العزل للأبنية.

3- اتخاذ الإجراءات المناسبة لتوفير الطاقة: كالبدء باستبدال المصابيح القديمة بمصابيح موفرة للطاقة حيث يتم البدء بأفضل طريقة.

4- متابعة التقدم الحاصل في حفظ الطاقة عن طريق تحليل معلومات القياس من أجل معرفة مدى فعالية الطريقة المستخدمة. ومن العودة للخطوتين 1و2.

يستعمل العديد من الناس “إدارة الطاقة” من أجل الإشارة للجهود المبذولة التي تركز على تحسين الاستفادة من الأبنية والتجهيزات الموجودة مسبقاً. ويمكن القول بصراحة أن هذا المعنى يحد الأمور حيث أن المفاهيم السلوكية لتوفير الطاقة كتشجيع الناس على استهلاك طاقة أقل عن طريق رفع الوعي لديهم أو استعمال معدات تحكم رخيصة مثل مبدلات الوقت.

عملية الخطوات الأربعة السابقة يمكن تطبيقها على كل الطرق: سواء إن أردنا أن نتخذ إجراءات توفير طاقة تتضمن شراء معدات جديدة أو تطوير المعدات القديمة.

على الرغم من أن إدارة الطاقة كانت معروفة لفترة طويلة من الزمن في الأبنية الكبيرة، إلا أنها بدأت مؤخراً في التطبيق على المستوى المنزلي. معظم أصحاب البيوت ليسوا على دراية أصلاً بهذا المصطلح ويتبعون إجراءات عشوائية وغير مدروسة من أجل تخفيض استهلاك الطاقة.

لكن المراقبة والأساليب المتبعة من قبل إداريي الطاقة المحترفين لها نفس الفعالية عند استخدامها في الأبنية الصغيرة. لذا وإن كنت صاحب منزل يبحث عن ترشيد استهلاك الطاقة لا تدع الحديث الوارد في هذا المقال يحبط من هذه الفكرة لمجرد الحديث عن ترشيد الطاقة في الأبنية الكبيرة.

معظم المبادئ التي تطبق على الأبنية الكبيرة سواءً كانت الشركات التجارية أو المنظمات الأخرى، يمكن تطبيقها على المنازل والبيوت. وبالتأكيد فإن المبادئ الأربعة المذكورة أعلاه والمشروح في تتمة هذا المقال يمكن تطبيقها على الصعيد المنزلي.

تأتي ضرورة حفظ الطاقة بسبب الأزمة العالمية لتزايد الطلب على الطاقة مع ازدياد عدد سكان الكوكب. هذه الحاجة العالمية تؤثر على أسعار الطاقة عالمياً وعلى الإنبعاثات الناتجة من توليد الطاقة والتشريعات المرتبطة بها وكل هذه الأمور تؤدي إلى أسباب ملزمة تطلب منّا ترشيد الطاقة في المنزل أو في المؤسسة التي نعمل بها.

إن لم يكن الكوكب يمر بأزمة عالمية، فلربما لم نكن سنسمع بمصطلح اسمه إدارة الطاقة. نحتاج لحفظ الطاقة من أجل تقليل الضرر الذي نتسببه لكوكبنا. ومن أجل التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري والذي يستمر بالانخفاض، وهو بالأصل محدود الكمية.

إدارة الطاقة هي المصطلح الذي يُطلق على الأساليب المستخدمة من أجل إدارة الطاقة وتقليل استهلاكها في مؤسسة ما،  وتكمن أهميتها في أنّها تساعدنا على: 

  •  تقليل التكاليف: وهو أمرٌ مهم بسبب تزايد ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير ومستمر.
  • التقليل من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي التخفيف من الأضرار الصحية وأضرارها على البيئة، بالإضافة لتقليل الضرائب المفروضة على انبعاثات ثاني اكسيد الكربون (في الدول التي تفرض ضرائب على هذه الانبعاثات).
  • تقليل المخاطر: الاستهلاك المتزايد للطاقة يؤدي إلى أرتفاع أكبر للأسعار أو إلى تقليل موارد الطاقة مما يؤثر على عمل المؤسسة وبالتالي تقليل الربحية.

لذا يجب أن يكون لدينا خطط لتقليل استهلاك الطاقة بشكل كبير، وعلينا اتخاذ الإجراءات المناسبة في نقطة ما من المستقبل القريب. الفهم الجيد لمعنى إدارة الطاقة يُمكن أن يكون السلاح الفعال الذي سيمكننا من الحصول على الأهداف المرجوة.

أعلاه تم تعداد الخطوات الأربعة الرئيسية لتخفيف استهلاك الطاقة وفيما يلي سنناقش كل من هذه الطرق على حدى:

1- قياس استهلاك الطاقة وجمع المعلومات

كقاعدة أساسية: كلما كانت البيانات التي تم الحصول عليها وجمعها أكثر وذات تفصيل أكبر كلما كانت النتيجة أفضل. الطريقة القديمة في جمع المعلومات كانت تتم عن طريق قراءة المقاييس مرة كل أسبوع أو حتى مرة كل شهر، وهذا يعتبر عملاً روتينياً، بالاضافة إلى أن القراءات التي تتم مرة في الأسبوع أو مرة في الشهر ليست بجودة البيانات التي يتم الحصول عليها بسرعة وبالوقت الحقيقي بطريقة أوتوماتيكية عن طريق استخدام الطرق الحديثة.

الطريقة الحديثة في قياس وجمع المعلومات عن طريق تركيب المقاييس الرقمية والتي تقوم بقراءة القياسات بشكل آلي وتسجيل قيم استهلاك الطاقة بشكل متزامن وبفواصل زمنية قليلة “مثلاً كل 15 دقيقة أو كل نصف ساعة”.

بيانات الطاقة المأخوذة بشكل منتظم متقطع تمكّن من اكتشاف نمط ضياع الطاقة والتي يستحيل اكتشافها بالطرق الأخرى لتحصيل البيانات.على سبيل المثال لا يوجد هناك أي طريقة تمكن القراءات الشهرية أو الأسبوعية أن تظهر كم من الطاقة قد تم استهلاكها في أوقات مختلفة من النهار أو أيام مختلفة من الأسبوع. ورؤية هذه الأنماط تسهل عملية إكتشاف ضياعات الطاقة الروتينية في المنشأة.

2- إيجاد وتحديد الطرق لحفظ الطاقة

البيانات المقاسة بالتفصيل والتي يتم جمعها هي بيانات بغاية الأهمية من أجل المساعدة على إيجاد وتحديد الطرق الأمثل من أجل خفض استهلاك الطاقة. الطرق الأقل كلفة والأكثر فعالية تحاج القليل أو قد لا تحتاج رأس مال.

على سبيل المثال لدينا مجموعة كبيرة من الأبنية والتي تمتلك نظام تحكم متقدم والذي يمكنه التحكم بالتدفئة، التهوية، وتكييف الهواء بشكل جيد. ولكن والمجهول بالنسبة لطاقم إدارة هذه المنشآت هو بعض الأخطاء أو سوء الإدارة الذي قد يسبب هدر كبير بالطاقة بدون علم، كتدفئة أو تكييف مبنى فارغ كل ليلة وفي كل عطلة نهاية اسبوع.

ومن أبسط الطرق لحفظ كمية من الطاقة هي تشجيع طاقم الإدارة على إطفاء التجهيزات في نهاية كل يوم عمل. والاطلاع على بيانات مفصلة ومأخوذة بشكل منتظم هي الطريقة المثالية لإيجاد الضياعات الروتينية في الطاقة. يمكن التحقق من أن طاقم العمل يقوم بذلك أو من خلال تركيب مؤقتات تقوم بإطفاء التجهيزات بشكل تلقائي من دون الحاجة لإرسال دوريات تحقق ليلاً ونهاراً وبالقليل من التكلفة يمكن الحد من الهدر بشكل كبير.

باستخدام المعلومات المفصلة، فإنه من السهل إجراء تقديرات عن كمية الطاقة التي تهدر في أوقات مختلفة. على سبيل المثال، إذا تم اكتشاف أن كمية كبيرة من الطاقة يتم هدرها في عطلة نهاية الأسبوع بسبب تجهيز من التجهيزات يمكن عندها فعل واحد من الأمور التالية:

  • حساب كمية الطاقة التي يتم استهلاكها في عطلة نهاية الأسبوع مقدرة بالـ” كيلو واط الساعي”.
  • تقدير الجزء الضائع من هذه الطاقة، من قبل التجهيزة التي يمكن إطفائها.
  • استخدام المنحنيات البيانية الناتجة لدينا من أجل حساب كمية الطاقة الكلية الضائعة كل عطلة نهاية أسبوع مقدرة بـ”الكيلو واط الساعي”.

في حال عدم التمكن من معرفة كمية الطاقة الضائعة من الطاقة الكلية بواسطة تجهيزة من التجهيزات التي يتم تركها تعمل بشكل غير ضروري يمكن اللجوء إلى:

  • التنقل في المنشأة في أحد الليالي والتأكد من أن كل شيء يجب أن يكون مطفأ.
  • العودة من خلال البيانات إلى تلك الليلة لمعرفة كم كيلو واط تم استهلاكه بعد أن تم إطفاء كل شيء يجب إطفاؤه.
  • طرح كمية الكيلو وات التي تم استهلاكها في تلك الليلة من كمية الكيلو واط التي يتم استهلاكها في الليالي العادية من أجل تقدير كمية الطاقة التي تم توفيرها.
  • ضرب هذه الكمية من الوفرة بعدد الساعات على مدار عطلة نهاية الأسبوع من أجل الحصول على كمية الكيلو واط التي تم توفيرها خلال عطلة نهاية الأسبوع.

أيضاً فإن أغلب الأبنية تملك العديد من الخيارات أو السيناريوهات فيما يتعلق بتوفير وحفظ الطاقة، وأغلب هذه الخيارات تحتاج إلى استثمار مالي، مثل تحديث العازلية أو تبديل مصابيح الإضاءة.

على الرغم من أن البيانات المفصلة التي تم الحصول عليها ليس من الضروري أن تساعد على إيجاد هذه الطرق أو الأساليب، أي لا تساعد في معرفة النوع الأكثر كفاءةً من مصابيح الإضاءة الموجودة في الأسواق، لكنها مفيدة في المساعدة في تقدير كمية التوفير في الطاقة التي يمكننا الحصول عليها من قبل كل وسيلة من الوسائل. إن الاعتماد على البيانات المأخوذة بشكل دوري هو أكثر موثوقية من الاعتماد على القيم التقديرية لوحدها. ومن المهم بشكل كبير تحديد كمية الوفر المتوقعة عند استخدام أي طريقة من الطرق التي نريد أن ننفق الكثير من الوقت والمال في تطبيقها. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تمكننا من اكتشاف أي الطرق الأكثر كفاءة.

3- اتخاذ الإجراءات المناسبة لتوفير الطاقة

إيجاد الطريق الأمثل لحفظ الطاقة لن تساعد على حفظ الطاقة إذا لم تنفذ وبقيت دراسات على الورق لذا يجب علينا القيام بالخطوات المناسبة أيضاً لتنفيذ هذه الطرق التي تتم دراستها.

يعد تشجيع الناس لحفظ الطاقة في المنشأة عن طريق رفع مستوى إدراكهم من الأمور الصعبة جداً، ولكن في حال تمكننا من ذلك، يمكننا حينها الحصول على كمية وفيرة من الطاقة من دون الحاجة للجوء إلى الاستثمار في أي مجال عدا الوقت.

أما بالنسبة لطرق حفظ الطاقة التي تحتاج إلى تحديث التجهيزات أو العازلية، وذلك بافتراض أنه تم تحديد هذه التجهيزات فالمطلوب فقط التأكد من تحقيق الوفر المطلوب.

4- متابعة التقدم الحاصل في حفظ الطاقة عن طريق تحليل معلومات القياس من أجل معرفة مدى فعالية الطريقة المستخدمة

بعد أن قمنا بإتخاذ الخطوات من أجل حفظ الطاقة، فمن المهم اكتشاف مدى فعالية الطريقة المتبعة، وذلك عن طريق: 

  • متابعة وفر الطاقة الناتج من خلال تغيرات سلوكية (كدفع الناس إلى إطفاء أجهزة الحاسوب لديهم قبل الخروج من المكتب والذهاب إلى المنزل) والتحقق من العملية بشكل دائم من أجل التأكد من فعاليته وتحقيق الغاية العظمى المرجوة منه.
  • في حال قمنا باستثمار رأس مال من خلال شراء تجهيزات جديدة فإننا على الغالب نريد أن نتحقق من الوصول إلى الوفر في الطاقة الذي تنبأنا به.
  • في حالة تصحيح أخطاء المؤقتات أو إعدادات أجهزة التحكم فإنه يجب علينا العودة والتحقق من أن كل شيء لا يزال يعمل كما يجب، أشياء بسيطة مثل انقطاع الكهرباء يمكن أن تعيد المؤقتات إلى إعدادات المصنع وفي حال عدم الانتباه على أنماط استهلاك الطاقة يمكن بسهولة أن نقع في مثل هذه المشاكل دون الانتباه لها.
  • إذا كنا ننوي إعطاء أهداف لحفظ الطاقة فيجب علينا إيجاد دليل الوصول إلى هذه الأهداف، أو على الأقل البدء في التوجه لهذه الأهداف في حال عدم قدرتنا على الوصول إليها. يتوجب علينا إثبات أن التحسن ليس مصطنعاً بل مثبتاً بالأرقام وقابلاً للقياس، في حال أننا نحاول أن نقع إحدى الجهات في الاستثمار في مشروع توفير الطاقة.

من الواجب الاستمرار في تحليل نتائج استهلاك الطاقة بشكل دوري من أجل التحقق من أن الأمور لا تسوء أكثر. فمن الطبيعي لبعض الأبنية غير المراقبة أن تصبح أقل كفاءة بسبب استهلاك الطاقة مع مرور الزمن. من المتوقع أن التجهيزات في النهاية سوف تنهار أو تصبح أقل فعالية وأن الناس سوف تنسى العادات الجيدة التي تم العمل على تشجيعهم لتنفيذها في الماضي.

لذلك يجب أخذ نظرة سريعة على بيانات الطاقة مرة في الأسبوع أو مرة في الشهر على الأقل من أجل التأكد من عدم حصول أي خطأ. من المخزي حقاً أنّ بعض الأشياء البسيطة مثل إعادة ضبط الإعدادات الخاطئة للمؤقتات تبقى غير ملاحظة للعديد من الأشهر وبالتالي الحصول على فاتورة كهرباء كبيرة والتي كان من الممكن تجنبها.

عملية إدارة الطاقة هي عبارة عن جهد مستمر من أجل إيجاد الطرق الأفضل للوصول إلى الهدف المنشود، والبدء في تنفيذ هذه الطرق (كما في الخطوتين 2 و 3) ومتابعة عملية التقدم الحاصل في حفظ الطاقة (كما في الخطوة 4). 

إن إدارة استهلاك الطاقة لا تحتاج إلى وقت طويل لكن تحتاج إلى متابعة مستمرة، وعن طريق هذه المتابعة يمكن الحصول على نتائج أفضل في حال أصبحت إدارة الطاقة جزءاً من الروتين اليومي.

نُشر النص الأصلي في موقع ِEnergylens باللغة الإنجليزيّة، وتُرجم لاحقاً للعربية لصالح KawnGroup وهي مجموعة من الخبراء والباحثين السوريين، تُعنى بالطاقات المتجدّدة وكانت فاعلة في سوريا. 

Scroll to Top