رحلة البحث عن مياه صالحة للشرب في مدينة اللطامنة

ليلى جروج –

يعتبر الوصول إلى مصدر آمن لمياه الشرب أحد أبرز التحديات التي تواجه سكان مدينة اللطامنة في ريف حماة الشمالي، إذ يعتمدون على شراء  صهاريج ماء وإفراغها إما في الآبار المحلية إن وُجدت، أو في براميل وخزانات خاصة.

أزمة المياه هذه ليست جديدة، فمنذ سيطرة النظام السابق على اللطامنة عام 2019، وحتى سقوطه في كانون الأول الفائت والمعاناة مستمرة، ولا سيما بعد أن عادت 375 عائلة من مخيمات النزوح شمالي سوريا، ليبلغ العدد الإجمالي 580 عائلة، بحسب أرقام المجلس المحلي للمدينة.

يقول رئيس اللجنة المجتمعية عبد الناصر الصالح (56 عاماً) لمجلة لحلاح: “سيطر النظام على المدينة لمدة أربع سنوات ولم يغيّر أو يحسّن أيّ شيء، شبكة المياه بقيت مدمرة بل ازداد وضعها سوءاً؛ آبار المياه مدمرة أيضاً، حتى مضخّات الآبار الخاصة بالأراضي الزراعيّة مسروقة، لا يوجد أيّ شيء من مقومات الحياة الخدمية أو الإنسانية”.
وبحسب الصالح فقد كانت المحاولات تصبّ في تأهيل آبار المياه كونها موجودة مسبقاً، فتبيّن أن شبكة المياه والصرف الصحيّ مدمّرتين أيضاً، مما عقّد العملية، لكن بعد تضافر جهود الأهالي ووحدة المياه الجديدة تم تأهيل قسم من الشبكة، وباتت المياه تصبّ في أحد الآبار المحليّة، لكنّ تقنين الكهرباء شكّل عائقاً أمام وصول المياه من الشبكة إلى البئر المحلّي أو آبار الناس في المنازل.

يرى الصالح أن الماء صالحة للشرب لأنها جوفيّة، وقد اعتاد الأهالي على شربها منذ زمن بعيد، أما العاملين في النقطة الطبية في المدينة فلهم رأي آخر، إذ تقول القابلة القانونية فريال الصطوف (46 عاماً): “تتردد حالات متكررة من الإسهالات، وآلام البطن، والدود، والجرب، بأعمار متعددة على النقطة الطبية، لا يمكن إلقاء اللوم على المياه، من الممكن أن تكون الصهاريج ملوّثة، أو الآبار المنزليّة والخزّانات، طالما لم يتم تحليل المياه، فلا يمكن أن نعرف مصدر هذا التلوّث”.

الممرّض المسؤول عن النقطة الطبية محمد السلوم (34 عاماً) عبّر في حديثه لمجلة لحلاح عن حالة القلق التي تنتابه نتيجة الأمراض التي اعتقد أنها انقرضت إذ يقول: “الأمراض التي تأتي إلى النقطة الطبيّة متنوعة، منها حالات جفاف بسبب الإسهال الشديد، وأمراض جلديّة غريبة، لا يمكن أن أقول أنني لم أرها في حياتي لكنها كانت منسيّة أو اعتبرنا أنها ذهبت بغير عودة، نشكّ في أنّ بعض الحالات قد تكون كوليرا، لكن النقطة الطبية غير مخدّمة بأي نوع من الأدوات المخبريّة لكشف الحالات والتأكّد منها.”

ويشكّ السلوم بأمر المياه أكثر من الغذاء كمصدر لهذه الأمراض، في حين يصف الوعي المجتمعي المتعلق بهذا الأمر بالمعدوم، ويوضح: “من الوارد أن تكون الحالات الصحية موجودة ويتم تجاهلها من قبل السكان، وحتى الحالات التي تزور النقطة في حال طلبنا منهم الانتقال إلى أقرب مشفى لأن الحالة خطيرة، يكون جوابهم بأن ’’السيروم‘‘ يكفي حالياً”.

وتؤكد الصطوف على وجود أمراض سببها إلى حد كبير هو المياه: “معظم سكان المدينة يعانون من التهابات بولية ورمل في الكلى، والجميع هنا لديه ألم في الخواصر، وحرقة أثناء التبوّل، بنسبة تسعين بالمئة السبب هو المياه”.

“وجود أربعة أطفال يتركني في حالة تأهّب وخوف من استخدام أحدهم للمياه الملوّثة بدلاً من الجيدة.” بهذه الكلمات عبّرت العائدة حديثاً للمدينة رشا النحلاوي (27 سنة) عن صعوبة استمرار الحياة اليوميّة في ظلّ أزمة المياه، مشيرةً إلى أن تأمين المياه النظيفة لأطفالها يشكّل لها حالة قلق دائمة، ومن جهة ثانية فإن استجرار المياه من البئر المنزليّ يؤثر على صحّتها الجسدية، ولهذا السبب أصبحت العائلة تتعاون على استخراج المياه وتركها في برميل جانبيّ مكشوف. 

تقول النحلاوي عن هذه الأزمة وترتيبها بين الأولويات: “تأمين المياه النظيفة عبر إيجاد حلٍ جذري للشبكة وإيصالها إلى البيوت يوازي أولوية تأمين السكن، كِلا الأمرين بذات السوء بالنسبة إلي”.

أما ختام حمادي (30 سنة)، والتي تعيش في خيمة على أنقاض منزلها المدمّر تقول: “لم يبلغ طفلي شهره السادس بعد، ويتغذى عن طريق الرضاعة الطبيعيّة، صحيح أننا نملك بئراً لم يُدمَّر بفعل الحرب، لكننا لا نثق باستخدام مائه، لأن زوجي يتخوّف مما قد يكون داخله”. 

وكانت صفحات التواصل الإجتماعي والمواقع الإخبارية قد تداولت خبراً عن اكتشاف الأهالي لمقبرة جماعية في أحد آبار المياه في قرية بريديج في ريف حماة بداية شباط الحالي، ما شكّل تخوّفاً عند الناس مما قد تحتويه آبارهم، وتكمل حمادي تعقيباً على ذلك: “نشتري مياه الشرب ونستخدمها لتلبية احتياجات طفلنا اليومية أما ماء البئر فهي للتنظيف فقط”.

يوضح الصالح أن اعتماد السكان بشكل أساسي هو على الصهاريج الخاصة للحصول على المياه، لأن ضعف التيار الكهربائي وقلّة ساعات الوصل يحدّان من وصول المياه إلى الآبار المنزلية، لذلك تسحب الصهاريج الماء من البئر الجمعيّ  وتنقلها إلى خزانات الناس، لكن ذلك لا يغطي كامل الاحتياج في المدينة، ما يشكّل عبئاً مادياً إضافياً، ويضيف: “تبلغ قيمة الماء في صهريج سعته 26 برميلاً 300 ليرة تركية (أي ما يعادل 9 دولار أمريكي تقريباً)، وأجرة الصهريج الخاص المُستخدم للنقل 300 ليرة تركية، نحاول أن يحصل الناس على الماء من البئر الجمعيّ لأنه في هذه الحالة يدفع الناس أجرة النقل فقط، وبهذه الطريقة تخفّ الأعباء المادية عليهم، وفي كلتا الحالتين هناك عبء على العائلات العائدة التي ستبدأ حياتها من تحت الصفر”.

وتختلف المدة التي يستهلك فيها الناس الصهريج الواحد بحسب الصالح، لكن وسطياً تحتاج العائلة الصغيرة إلى صهريج كلّ عشرة أيام، وهي تكلفة عالية جداً خلال الشهر، دون احتساب تكاليف الحصول على الغذاء والاحتياجات الأخرى.

يقترح مشرف خدمات العمل الشعبي إسحاق المحمد (42 عاماً) حلاً مبدئياً عبر “تأمين مولدة كهرباء للبئر الموجود في المدينة، سيتم ضخ المياه على الشبكة الرئيسية وبالتالي تصل إلى آبار البيوت، وفي حال تم تشغيله فهو قادر على تخديم العائلات الموجودة اليوم”.

يشير المحمد إلى أن التخلّي عن الصهاريج غير وارد في الوقت الحاليّ، لكن الصهريج ينتقل من منطقة إلى أخرى لتعبئة المياه، وينتظر لساعات طويلة، فإذا تم تأمين المياه داخل المدينة، تقل الأجور المترتبة على الناس.

كما ذكر المحمد أن الجهود المبذولة مرتبطة بالإمكانيات المتاحة، فقد قدّمت مؤسسة المياه محرك ديزل لكنها غير قادرة على التكفل بفكه ونقله وتركيبه، وبالتالي سيكون هذا العمل على حساب السكان أو العمل الشعبي، وأكد على مساعيهم لتحقيق هذا الأمر، كما تم تقديم مقترح آخر بحسب المحمد موّجه لمؤسسة الكهرباء يتضمن تجميع ساعات الوصل الكهربائي في وقت واحد ومتواصل في اليوم من أجل زيادة قوة ضخ المياه، لكن هذا المقترح غير قابل للتطبيق حالياً بسبب آلية تقسيم ساعات التغذية والقطع في كل المحافظة.

Scroll to Top