تريند ’’Welcome to Texas’’ يكسر الصورة النمطيّة عن المزارع السوريّ

ليلى جروج

انتشر تريند “Welcome to Texas” مؤخراً عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، وتعدّدت المقاطع المصوّرة التي تنقل حياة الأرياف في بعض المحافظات السوريّة، مثل الرقة ودير الزور وحماة، وقد لاقى مقطعٌ مصوّر تحت عنوان “تكساس ديمو” رواجاً كبيراً عبر منصة “إنستغرام”، وديمو قرية في ريف حماة الغربي تشتهر بأراضيها الزراعيّة وتربتها الحمراء الخصبة. 

المسؤول عن صفحة “ريحان” وصاحب المقطع المصوّر، أسامة المحيميد (23 عاماً)، قال لمجلة لحلاح إن الهدف الرئيس من صفحات التواصل الاجتماعيّ التي يديرها هو “إبراز جمال الريف السوريّ، فصناعة المحتوى الريفيّ محدودة جداً، والأرياف مهمّشة بشكل عام”.

بعد انتشار المقطع المصوّر تواصل الناس من عدّة دول مع المحيميد، والبعض أبدى استغرابه من جمال الأراضي الزراعيّة في سوريا وطبيعتها، حتى إن مجموعة من الأشخاص من السعودية قالوا إنهم سيضعون “ديمو” ضمن خطتهم السياحيّة عند زيارة سوريا.

المزارع سابقاً حسن الحمود (28 عاماً) يعبّر عن أهمية نشر المحتوى الريفيّ  والزراعيّ، على الأخص في هذه المرحلة: “ليس كافياً نشر الصور الجميلة؛ فخبرة العمل الزراعيّ في الأرياف تراكميّة، لا تأتي عن طريق مهندسين زراعيين أو خبراء، وإنما هي متوارثة عبر الأجيال، فمن الجيد التركيز على نشر محتوى ريفيّ يتضمّن أساسيات العمل الزراعيّ تيّمناً بتجارب سابقة في إدلب؛ أو في دول الجوار.” 

ويرى الحمود أن  نشر هذا النوع من المحتوى سوف يساعد الناس على إعادة إحياء أراضيها، لأنهم نزحوا عن الأرياف منذ أكثر من عشرة سنوات، ومن غادر أرضه في مرحلة الطفولة سيعود إليها اليوم في بداية الشباب، وربما منعته الحرب من اكتساب الخبرة بطريقة متوارثة، ويضيف: “كل منطقة تختصّ بزراعة معيّنة في سوريا، فمن الجيّد أن يتم نشر محتوى يخصّ كل منطقة وكل نوع تربة، ونشر معلومات ربما تكون بديهية للمزارع؛ أو البيوت التي امتهنت الزراعة، لكنها جديدة لمن انقطع عن أرضه وعائلته لمدة طويلة”.

على الجانب الحقيقيّ للحياة الزراعية، يعمل أسامة المحيميد (طالب هندسة معمارية في سنته الخامسة) إلى جانب دراسته في أراضي عائلته في قرية ديمو، وعن عمله في الزراعة يقول: ولدت في عائلة زراعيّة، حيث تعدّ الزراعة مصدر الدخل الرئيس لنا، ونعتمد بشكل كبير على مواسم الفستق والبطاطا والقمح. 

أما حسن الحمود، وهو خريج هندسة مدنيّة، فيؤكّد على أن الزراعة مهنة أساسيّة عند أبناء الريف بشكل عام، فأي مهنة أو عمل أو دراسة لا تغنيهم عن العمل الزراعيّ، ومن لا يملك أرضاً يسعى إلى الاستثمار، أو إلى العمل اليوميّ كعامل زراعيّ “مياوم”، فمن النادر جداً أن نجد إنساناً في الريف يعتمد على مهنة معيّنة دون الزراعة، ومن جهة ثانية لا يسمح الوضع الماديّ بامتهان عمل واحد فقط.

يوضّح الحمود: لم تكن السنوات السابقة الأفضل بالنسبة للزراعة، لكنّ الفلّاح يعلم ويملك يقيناً بأن الأرض ستعود لتمنحه مردوداً جيداً كما منحها الجهد والمال، فقد تعرّضت الأراضي لظلم كبير خلال فترة نزوح أصحابها عنها؛ حيث عمل فيها أشخاص لا يعرفون بالعمل الزراعيّ ولا يجيدونه، ما أدى إلى انكسارها”. 

تبدأ المسؤولة الإعلاميّة في مصلحة زراعة محردة، لانا هزيم (39 عاماً) حديثها لمجلة لحلاح بالأسف على انتشار هذه المشاهد الخلّابة والجميلة لسوريا مع موسيقى غربيّة، “فمن الجميل رؤية أراضينا مع موسيقى تشبهنا أكثر”، أما عن تنميط صورة الفلّاحين فتقول: “نعاني من حالة اغتراب شديد عن ثقافتنا وحضارتنا، وهو ما انعكس على تصنيف الأشخاص حسب مهنهم، فالفلاح صاحب العمل الأسمى، وخبرته تضاهي أحياناً خبرة الدارسين النظريين.’’

الحمود، الذي يقيم حالياً في هولندا، يرى بدوره أن الصورة المعتادة عن الفلاح في سوريا غريبة، حيث عُززت من قبل النظام السابق من خلال وسائل الإعلام وحتى الكتب المدرسيّة، ويقول في هذا السياق: “عندما نزحنا عن بلدتنا كفرزيتا واجهنا صعوبة في إيصال فكرة إلى سكان المدن التي نزحنا إليها بأن عملنا بالزراعة لا يعني بأننا مختلفين عنهم، وبقينا نعاني من هذا الأمر إلى أن عدنا ودعينا الناس لزيارتنا ليعرفوا النمط الحقيقيّ لحياة الفلاح، وبأنه من الطبيعيّ جداَ أن تكون طبيباً أو مهندساً وفلّاحاً في نفس الوقت”.

ويعبّر الحمود عن غضبه من الشرخ الاجتماعيّ واضح الأثر بين الريف والمدينة والذي يُظهرالفلاح على أنه طبقة أقل من باقي المهن، ويقول بهذا الصدد: هي حالة ممتدة من الماضي وحتى اليوم، مترافقة مع نوع من العزلة التي من الوارد أن تكون مدروسة من قبل النظام السابق، وقد كُسرت قسراً بعد تجارب النزوح وتعايش عدد كبير من سكان الأرياف والمدن مع بعضهم بعد أن كانوا معزولين بشكل شبه كامل”.

ترى لانا هزيم أن مقوّمات الزراعة التي تمتلكها سوريا تعتبر حلماً بالنسبة لبعض الدول، وعلى الأخص دول الجوار، فالتربة خصبة والمياه وفيرة، واليد العاملة في سوريا ومناطق ريف حماة على وجه الخصوص تتميّز بالمهارة العالية في التعامل مع الأراضي الزراعيّة ومشاكلها. 

وتختم هزيم حديثها لمجلة لحلاح بالقول: “النظام السابق سعى في الفترة الأخيرة إلى إضعاف القطاع الزراعيّ من حيث التضييق على المزارعين والحدّ من التسهيلات، وباتت الزراعة تشكّل خسارة مضاعفة بالنسبة للفلاحين، والآن يجب على السلطة الحاليّة إقناع الناس بأهميّة العمل الزراعيّ عبر جهود حقيقيّة ودعم على أرض الواقع”.

أما الحمود فيجد أن الأرض مورد مهم جداً للعيش، وعمود اقتصاديّ قويّ للناس والدولة، ويقول مشجعاً على العمل والاستثمار الزراعي: اليوم أنا خارج البلاد وأقيم في هولندا، وهو حال معظم الشباب في سوريا، وأكثر ما أفكر به هو استثمار أرض زراعيّة  في بلدتي، وغالبية الشباب ممن أعرفهم هنا تواصلوا مع أهاليهم بعد سقوط النظام ليعودوا إلى العمل في أراضيهم، وهم على استعداد لدعمهم بكل ما يلزم للحصول على الماء والكهرباء من أجل الآبار والسقاية وكل ما تحتاجه الأرض”.

Scroll to Top