تراكم النفايات الإلكترونية مع انعدام الإجراءات الاقتصادية والبيئية

ليلى جروج

تكاد لا تخلو منازل السوريين من قطع الأجهزة الكهربائية أو الإلكترونية غير الصالحة للعمل، حتى إنّ معظمها يشتهر بوجود غرفة فيها تسمى غرفة الخردوات أو المستودع، ومن الطبيعي جداً أن تجد تلفازاً قديماً بجانب حاوية القمامة في أحد الشوارع في سوريا، ليتم نقله إلى مكبّ النفايات ويُحرق فيه، أو يأخذه أحد جامعي الخردوات ويبيع الأجزاء غير الإلكترونية منه.  لكن، ربما لا يدرك كثير من الناس حجم الخطر الناجم عن التعامل مع هذه النفايات دون تصنيفها كنوع خاص يُعرف بالنفايات الإلكترونية، إذ يتم التعامل معها دون وجود معرفة مسبقة عن إمكانية التخلّص منها بأقل الطرق تأثيراً على البيئة والإنسان.

على الرغم من أن ثقافة إعادة تدوير النفايات بدأت تأخذ مسارات محددة في المجتمع السوريّ، إلا أن إعادة تدوير الإلكترونيّ منها لم تدخل ضمن الثقافة البيئية في سوريا، علماً أن أزمة النفايات الإلكترونية تواجه العالم أجمع ولا يقتصر تأثيرها على دولة واحدة، لكن بعض الدول بدأت بالتعامل مع هذا الخطر بجدية أكثر من غيرها.

نشرت منظمة الصحة العالميّة تقريراً نهاية العام الفائت حول النفايات الالكترونية، جاء فيه أن النفايات الإلكترونية هي مصدر النفايات الصلبة الأسرع تنامياً في العالم في عام 2019، حيث أُنتج ما يُقدر بنحو 53.6 مليون طن من النفايات الإلكترونية على مستوى العالم، ولكن الكمية التي تم توثيق جمعها وإعادة تدويرها رسمياً بلغت 17.4% منها فقط، كما ذكر التقرير أن الرصاص هو أحد المواد الشائعة التي تُطلق في البيئة عند إعادة تدوير النفايات الإلكترونية أو تخزينها أو التخلص منها عن طريق القيام بأنشطة رديئة، مثل الحرق في الهواء الطلق، وقد تخلّف أنشطة إعادة تدوير النفايات الإلكترونية العديد من الآثار الضارة على صحة الإنسان، على الأخص الأطفال والنساء الحوامل، وتقدّر منظمة العمل الدوليّة ومنظمة الصحة العالميّة أن ملايين النساء والأطفال العاملين في قطاع إعادة التدوير غير الرسمي حول العالم قد يكونون عرضة لخطر التعرّض للنفايات الإلكترونية.

في سوريا؛ لا تتوفر تقارير رسمية تتحدّث عن كمية النفايات الإلكترونيّة، أو آلية التخلّص منها، حيث يتم رميها مع النفايات العادية باستثناء الأجزاء التي يمكن بيعها بشكل منفصل مثل الأقفاص البلاستيكية، والحديد، والنحاس، أي الأجزاء غير الإلكترونية من الأجهزة.

شهدت سوريا حالة من الركود الاقتصادي في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى جمود في عمليّة الاستيراد، ما أدى إلى الاعتماد على أسواق محددة للحصول على الإلكترونيات وقطع تبديلها، على الأخص السوق الصيني. يقول مهندس الكهرباء يوسف حميش لمجلة لحلاح في هذا السياق: “أحد مشاكل التعامل مع النفايات الإلكترونية في سوريا اليوم هو عدم وجود شركات أصليّة أو مراكز رئيسيّة ضمن المحافظات، فالشركات الموجودة اليوم في سوريا غير حقيقية.. عندما تكون الشركة الأساسية موجودة يمكن للمستخدم أن يسلّم القطعة التالفة لهم، وهم أكثر من يستفيد منها في هذه الحالة لأنهم الأقدر على التعامل معها بالشكل الصحيح أو إعادة استخدامها”.

يؤكد حميش أن القطع الصينية متوفّرة بكثرة ورخيصة الثمن، ما يدفع العاملين في صيانة الكهربائيات أو الهواتف إلى رمي القطع القديمة وتبديلها، وهي قطع قصيرة الأمد ورخيصة الثمن، الأمر الذي يؤدي إلى وجود كميات كبيرة وتالفة من هذه القطع.

بدوره يقول فني صيانة الإلكترونيات باسم سعد: “بعض الشركات السورية، وهي محدودة جداً، تستورد مواد خاصة لها، بالتالي لا يمكن القيام بأعمال الصيانة خارجها، ومن الممكن أن تكون هذه الشركات تستخدم القطع عبر إعادة تدويرها، أما الشركات الأكثر انتشاراً تستخدم مواداً من السوق المحلية، وبالتالي يمكن لعمال الصيانة ان يستوردوا مثلها من الصين أو تطبيقها من السوق المحلية بسهولة ما يؤدي إلى كساد في القطع التالفة، ولا سبيل للتعامل معها إلا عن طريق رميها في القمامة”.

بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية فإن أفعال النبش، ورمي النفايات على الأرض أو في المسطحات المائية، والطمر إلى جانب النفايات العادية، والحرق أو التسخين في الهواء الطلق، والحمامات الحمضية أو الغسل الحمضي، وتجريد الطلاء البلاستيكي وتمزيقه والتفكيك اليدوي للمعدات، هي من الممارسات غير السليمة التي تؤدي إلى إطلاق مواد سامة في البيئة نتيجة ممارستها بطرق عشوائية، حيث تعتبر هذه الأنشطة خطرة على البيئة وصحة الإنسان.

قد تبدو بعض هذه الأفعال صديقة للبيئة أو تدخل ضمن عملية إعادة التدوير لكن نتائجها كارثية على الإنسان والصحة، مثل عملية فك المعدات التي تنتشر بكثرة في سوريا لعدم توّفر قطع تبديل بشكل دائم، يقول حميش عن هذه العملية: “تعدّ عملية تبديل القطع وتفكيكها اليدويّ من الأفعال المتعارف عليها في صيانة الإلكترونيات، حيث يتم الاستفادة من أكبر قدر ممكن من قطع التبديل.. الفكرة أن بعض القطع يستحيل الحصول عليها من السوق، فبعض الإلكترونيات مثل الهواتف القديمة لم تعد موجودة أو تصنّع من قبل الشركات، لكنها ما زالت قيد الاستخدام في سوريا”.

لا يمكن مقارنة وضع سوريا مع دول أخرى في طريقة تعاملها مع النفايات الإلكترونية، لكن من الجيد الاستفادة من تجارب أخرى، وعلى الأخص دول الجوار، مثل الأردن، التي أطلقت وزارة البيئة فيها مبادرة تهدف إلى إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية.

يقول سعد عن الإجراءات التي يمكن البدء بتطبيقها: “يمكن أن تحدد وزارة البيئة السورية مناطق ضمن المحافظات بهدف تجميع النفايات الإلكترونية فيها، ومن ثم تتخذ الخطوة اللاحقة، لكنها بهذه الخطوة تزيل هذه المخاطر من داخل البيوت والمحال والطرقات”.

في حين يرى حميش أن سوريا تحتاج إلى تعزيز الخبرات والدراسات حول هذا الأمر، قد يكون عبر الاستفادة من تجارب بعض الدول، لكن الأمر أكثر تعقيداً في سوريا بسبب عدم توفر بنية تحتية تساعد على حل هذه المشكلة، يوضح: “في سوريا يوجد مخبر واحد للبحث العلميّ في كلية الهندسة الكهربائية في حلب، لكنه غير مختص بالتصنيع، فعملية إعادة التدوير تتطلب وجود مراكز بحث علمي دقيقة، وأن تتضمن العديد من الاختصاصات، لأنه من الممكن مواجهة أشياء مُبهمة مثل تفكيك المواد النادرة التي تحتاج إلى تحليل ومخابر قبل التفكيك”.

يرى حميش أن الأمر يحتاج إلى معامل وفرق من الاختصاصيين القادرين على إعادة تدوير النفايات من جهة وإعادة تصنيعها مجدداً بطريقة إبداعيّة، فالنفايات الموجودة اليوم لا تناسب السوق الحاليّ، وينهي حديثه لمجلة لحلاح بالقول: “من الضروريّ إيجاد حلول سريعة، لأن حجم التطور كبير جداً، وكلما زاد التطور والإنتاج، ستزداد معه كمية النفايات الإلكترونية، ومن الواضح أن التطور لن يتوقف عند حدّ معين، لذلك لا نملك خياراً سوى البحث عن الحلول”.

Scroll to Top