خلال سنوات طويلة من الاستهداف المتعمّد للمستشفيات من قبل نظام بشار الأسد وحليفه الروسي بشكل أساسي، فقدت الكثير من المستشفيات العاملة في سوريا طواقمها الطبيّة وبنيتها التحتيّة، وخلال سنوات طويلة من الحرب المفروضة على الشعب السوري، والتي أدت إلى هجرة ونزوح حوالي أكثر من نصف السكّان (منهم عدد كبير من الأطباء)، وبسبب العقوبات الاقتصاديّة المفروضة على سوريا، تدهورت أحوال المستشفيات والمراكز الطبيّة في عموم البلاد، وصار الحصول على العناية الطبيّة أمراً صبعاً، وأصبحت المراكز الطبيّة بؤراً للأمراض المعدية، ومرتعاً للبكتيريا الضارة والجراثيم.
نعلم أنّ الحديث عن النفايات الطبيّة في هذه المرحلة يُعد ترفاً بحد ذاته، لكنّنا نعتقد أنّ آليات إدارة النفايات الطبيّة هي جزء أساسي من إدارة المراكز الطبيّة، وبالتالي العناية بصحة السوريين والسوريات بشكل أفضل.
النفايات الطبيّة تعريفاً هي جميع النفايات التي يتم إنتاجها داخل مؤسسات الرعاية الصحية، من خلال أنشطة هذه المؤسسات المختلفة. وتصنّف إلى:
- نفايات عادية شبيهة بالمنزلية: وهي تشمل من 75 إلى 90% من إجمالي نفايات الرعاية الصحية. وتعامل هذه النفايات معاملة النفايات البلدية.
- نفايات خطرة أو معدية أو سامة: وهي تشمل من 10 إلى 25% من مجمل النفايات الطبية. ويصنف هذا النوع من النفايات إلى عدّة أقسام نذكر منها:
- نفايات حادة أو واخزة لامست أو لم تلامس دماً أو سوائل الجسم.
- أكياس الدم منتهية مدة الصلاحية وبقايا أكياس الدم المُستعملة والنفايات الملوثة بالدم أو بسوائل الجسم.
- نفايات المختبرات والأجزاء البشرية غير المعروفة والمعروفة.
التأثيرات الصحية والبيئية للنفايات الطبية
جميع الأشخاص العاملين في المؤسسات الطبية من أطباء وممرضين وعمال معرضين للإصابة بالأمراض بسبب الإدارة الخاطئة للنفايات الطبية. وكذلك المرضى وزوارهم معرضون أيضاً لخطر الإصابة. هذا وبالإضافة إلى عامة الناس خارج تلك المؤسسات الصحية. مخاطر هذه النفايات على المستويين الصحي والبيئي كبيرة جداً وللذكر وليس الحصر نذكر من المخاطر الطبيّة: التسمم، والحروق الناجمة عن النفايات الكيميائية، والعديد من الأمراض المعدية التي تنتج عن بعض النفايات التي تحمل خطر العدوى، والكثير من أنواع السرطانات التي تنتج عن النفايات المُسممة للخلايا والنفايات المشعة. ومن المخاطر البيئيّة نذكر تلوّث التربة وتلوّث الماء.
بالإمكان الحدّ من هذه المخاطر من خلال الإدارة الآمنة للنفايات من خلال عدّة مراحل وهي: الفرز، التغليف، التخزين المؤقت، الجمع، التخزين المركزي، النقل، المعالجة، التخلّص النهائي.
الفرز والتغليف
هي عملية فصل أصناف النفايات حسب طبيعتها عند مصدر الإنتاج كي يتبع كلّ صنف مسار التخلص النهائي الخاص به. ومن فوائد هذه العمليّة المباشرة: الحفاظ على سلامة الأفراد، والتقليل من النفايات الطبيّة، والمساهمة في تخفيض تكاليف التخلّص من النفايات الطبيّة، والمساهمة في الحفاظ على النظافة العامة.
الفرز يكون عادة عن طريق أوعية مختلفة الألوان، وعادة ما تختلف هذه الألوان حسب سياسة فرز النفايات في كلّ دولة أو مؤسسة. وبعد انتهاء عملية الفرز يجب أن تبقى النفايات الطبية منفصلة خلال جميع المراحل.
يجب وضع ملصق تعريف للنفايات على كل حاوية أو كيس وعادة ما تملك المعلومات التالية: اسم المؤسسة الطبية، اسم القسم المنتج، نوع النفايات، اسم الشخص الذي قام بإغلاق الكيس، تاريخ الإغلاق، وزن الوعاء. الفائدة من هذه البطاقة تكمن في القدرة على المتابعة الإدارية في جمع البيانات المُنتجة في كل قسم للتأكد من أنّ تغيراً مفاجئاً لم يحصل لأي صنف منها، ولمعرفة المصدر، ولتحمّل المسؤولية في حال وجود أخطاء.
التخزين المؤقت
بعد الفرز وعند امتلاء الكيس أو الحاوية تنقل النفايات إلى غرفة التخزين المؤقت وتوضع في عربات مخصصة لذلك.
على غرفة التخزين المؤقت أن تكون خارج القسم الطبي المعني بهذه النفايات، وعلى مقربة منه. كما يجب أن تكون معرضة إلى ضوء الشمس المباشر، وجيدة الإنارة والتهوية. ويجب أن يتوافر فيها أيضاً حاويات نفايات كبيرة كي لا توضع الأكياس على الأرض. ويجب تنظيفها يومياً.
التخزين المركزي
بعد أن تتم عملية التخزين المؤقت، تُنقل العربات من غرفة التخزين المؤقت إلى غرفة التخزين المركزي. مع الأخذ بالعلم ضرورة عدم استخدام المصاعد المخصصة للمرضى والزوار، وضرورة عدم المرور بالمستوعبات في البهو العام الرئيسي.
لموقع التخزين المركزي شروط يجب مراعاتها وهي:
- سهولة دخول مركبات وشاحنات جمع النفايات.
- باب قابل للإقفال مع علامة الخطر الدولية للنفايات.
- الأرضيات والجدران يجب أن تكون ناعمة مقاومة للمياه وسهلة التنظيف.
- مزودة بمصدر مياه وبشبكة للصرف الصحي.
- إضاءة جيدة وتهوية بواسطة فلتر هواء ودرجة حرارة تحت 15ْ درجة مئوية.
- أغطية واقية لكل الفتحات لمنع دخول الحشرات والقوارض.
- قريبة من موقع تنظيف وتطهير العربات.
- مطهرة بشكل أسبوعي، وبعد حدوث أيّ تسرب.
وللتخزين عدة مبادئ يجب مراعاتها مثل:
- لا يجوز تجميد النفايات على درجة حرارة تحت الصفر.
- يمكن استخدام حاويات كبيرة مبردة للتخزين إذا كانت مدة التخزين أطول من المدة المسموح بها، أو إذا كانت مدة النقل طويلة.
- لا يجوز ضغط النفايات بآلات ضاغطة.
يعتمد التدبير الإداري الجيد للنفايات على أسس معيّنة متعلّقة بوجود فريق مناسب ومسؤول عن النفايات، وبوجود تواصل بين مسؤول إدارة النفايات والجهات الفاعلة، وبوجود خطة تدبير للنفايات، والتي تأخذ بعين الاعتبار التشريعات الوطنية والأهداف الوطنية والخطوات الأساسية الهامة لإنجاز هذه الأهداف.
التقليل من النفايات الطبية
يفيد التقليل من النفايات الطبية في التقليل من كلفة شراء الموارد ومن كلفة معالجة النفايات والتخلص منها. ويمكن التقليل من النفايات من خلال ممارسات تدبير النفايات في الموقع ومن خلال سياسة وإدارة المستودعات. كما ويلعب تدريب العاملين على التنفيذ الآمن دوراً هاماً في التخفيف من النفايات الطبية.
وباتباع خطوات بسيطة مثل التقليل من المشتريات واختيار اللوازم الأقل إنتاجاً للنفايات، يمكن تقليل إنتاج النفايات إلى المستوى الأخفض، أو من خلال استخدام وسائل التنظيف الفيزيائية أكثر من الوسائل الكيميائية (مثل التطهير بالبخار بدلاً من التطهير الكيميائي)، أو من خلال الشراء المركزي للمواد الكيميائية الخطرة، ومراقبة مسار استهلاك الكيمياويات ضمن المؤسسة منذ الاستلام.
الطلب المتكرر لكميات صغيرة نسبياً بدلاً للكميات الكبيرة في وقت واحد، يُمكن أن يساهم في التقليل من النفايات الطبية، كذلك استخدام الكمية الأقدم أولًا واستخدام جميع العبوات الموجودة في طرد واحد، وفحص تاريخ انتهاء الصلاحية عند الاستخدام يُمكن أن يخفف من إنتاج النفايات الطبية.
بحسب منظمة الصحة العالمية فإنّ “إدارة نفايات الرعاية الصحية تتطلب إيلاء المزيد من الاهتمام والجهود لتجنب جني حصائل صحية ضارة من جراء اتباع ممارسات رديئة، بما فيها التعرض للعوامل المسببة للعدوى والمواد السامة”.
نأمل أن تكون إدارة النفايات الطبيّة جزءاً من برامج وزارة الصحة وأصحاب الحل والربط وبرامج رجال الأعمال الذين ينوون بناء مستشفيات خاصة، كي تتحول مراكزنا الطبية إلى أماكن علاج لا بؤر جراثيم وأمراض.
مصدر الصورة المرفقة بالتقرير: موقع Trikon Clinical Waste Solution