الصراع والمناخ: محركات نشاط الحرائق في سوريا في القرن الحادي والعشرين

مادة مترجمة –

المؤلفون: 
ماريا زوبكوفا (Maria Zubkova), لويس جيغليو (Louis Giglio), مايكل إل. هامبر (Michael L. Humber), جوان ڤ. هول (Joanne V. Hall), إيڤان إليكوت (Evan Ellicott)

الجهة الناشرة: قسم العلوم الجغرافية، جامعة ميريلاند في كوليدج بارك (Department of Geographical Sciences, University of Maryland, College Park)

كانون الثاني، 2021

DOI: https://doi.org/10.1175/EI-D-21-0009.1

ترجمة: نور البرزاوي

لكن الحرائق استمرّت في عام 2020 رغم هطول الأمطار بمعدلات قريبة من المتوسط، ويمكن أن تعلّل جزئياً درجات الحرارة الشديدة الارتفاع عشرة أضعاف في المساحة المحترقة عام 2020، ولكن هذا التعليل يقتصر على المناطق الحرجية في شمال غرب البلاد. نحاجج في هذا المقالة أن التغيرات المفاجئة في نشاط الحرائق بسوريا كانت مدفوعة بالتفاعلات المعقدة بين الصراع، والهجرة، واستخدام الأراضي، والمناخ. فمن ناحية، أدّى الصراع المستمر إلى زيادة هائلة في الحرائق العرضية والمتعمدة، وإلى تراجع قدرات الاستجابة لها. ومن ناحية أخرى، لم يترك سنوات انعدام الأمن والنزوح الواسع وعدم الاستقرار الاقتصادي للسكان المحليين خياراً سوى استغلال الحرائق لإزالة الغطاء النباتي الطبيعي من أجل التوسع الزراعي وقطع الأشجار وتجارة الفحم. إن خسارة الإنتاج الزراعي والغطاء النباتي الطبيعي بسبب الحرائق يمكن أن تترك آثاراً بالغة على الأمن الغذائي وخصائص التربة والتنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي، مما قد يزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي الهش ويشعل دائرة العنف القائمة.

الكلمات المفتاحية: حرائق برية؛ حرائق غابات؛ استخدام الأراضي.


أ. المساحة المحترقة مقابل المناخ

أظهر تحليلنا للمساحة المحترقة (BA)(1) بين عامي 2002 و2020، استناداً إلى بيانات MODIS MCD64A1(2)، تقلُّبات سنوية عالية وموسمية قوية في نشاط الحرائق في سوريا. هذه النتائج كانت متوقعة نظراً لتفاوت الموارد المائية في المناطق الجافة وانخفاض الكتلة الحيوية التي عادة ما تحد من الحرائق المتكررة (Krawchuk and Moritz 2011). إن العلاقة الإيجابية القوية التي لوحظت بين المساحة المحترقة (BA) ورطوبة التربة المتراكمة قبل موسم الحرائق (FS)(3) تتوافق مع أنظمة الحرائق المحدودة بالوقود في المناطق الجافة (Abatzoglou and Kolden 2013؛ Abatzoglou et al. 2018).

ووفقاً لبرادستوك (2010)، فإن هناك أربعة عمليات تحدُّ من نشاط الحرائق: إنتاج الكتلة الحيوية، وتوفرها للاحتراق، وظروف الطقس المؤاتي للحرائق، ومصادر الاشتعال. في النظم الإيكولوجية الجافة، حيث يُعدُّ العجز المائي البارز ظاهرة موسمية، تُمثِّل مصادر الاشتعال وإنتاجية الأراضي العشبية القيود الرئيسة لنشاط الحرائق (Nemani et al. 2003؛ Bradstock 2010). بالمقابل، عندما تزداد كمية الرطوبة المتاحة للنباتات يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع نشاط الحرائق بفضل زيادة تراكم الوقود ما إن تتوفر مصادر الاشتعال الطبيعية أو البشرية (Archibald et al. 2009؛ Abatzoglou et al. 2018).

يمكن تفسير نشاط الحرائق شبه المعدوم في عام 2008 بالجفاف الشديد الذي سجَّلته بيانات CHIRPS والذي وثقته الدراسات السابقة (Kelley et al. 2015). وبالمثل، فإن فائض الأمطار خلال الفترة من أكتوبر 2012 إلى أبريل 2013  تبعه مساحة محترقة أعلى من المتوسط في شمال سوريا. في آذار 2019 حصل هطول أمطار غير طبيعي، وتبع الأمطار الغزيرة فيضانات خطيرة في عدة محافظات سورية، حسبما ذكرت هيئة الصليب الأحمر (2020). وليس من المستغرب أن رطوبة التربة المتاحة للنباتات تفسر وقوع أكثر من نصف المساحة المحترقة غير المسبوقة في عام 2019 بمحافظات ذات مناخ جاف أو شبه جاف، على عكس عام 2020 الذي كان ترسب الأمطار فيه قريباً من المتوسط.

من ناحية أخرى، فإن الجزء الغربي من البلاد حيث تتوفر المياه و يتميّز بالمناخ المتوسطي، فهو أقل حساسية للرطوبة وأكثر تأثراً بظروف الطقس القاسية المحيطة به خلال موسم الحرائق، على نحو مشابه لما يحدث في مناطق البحر المتوسط الأخرى (Pereira et al. 2005؛ Amraoui et al. 2013). وبالتالي، درجات الحرارة المرتفعة فوق الطبيعي، وما نتج عنها من قيم مرتفعة في مؤشر شدة الحرائق (FWI) المسجلة في نهاية موسم الحرائق لعام 2020، وخصوصاً في شمال غرب البلاد، هي مسؤولة جزئياً في زيادة نشاط الحرائق في النظم البيئية الغنية بالكتلة الحيوية.

قد يبدو من غير البديهي أن تُعتبر درجة الحرارة ــ وليس مؤشر شدة الحرائق ــ متنبئاً مهماً بنشاط الحرائق في بعض المحافظات. ويرجّح أن عدم اليقين في بيانات المناخ والصيغ المستخدمة في نماذج خطورة الحرائق من شأنه أن يقلل من موثوقية الروابط الإحصائية التي استخلصها هذا التحليل. فعلى الرغم من استخدام العديد من التطبيقات لبيانات إعادة التحليل (reanalysis) نظراً لكثرة المتغيرات الجوية والبحرية وسطحية التربة التي توفرها، فإن موثوقية هذه المتغيرات تختلف اختلافاً كبيراً. فقد أظهرت درجة حرارة الهواء المقدرة من إعادة التحليل أقل الانحيازات وأصغر انحراف معياري للأخطاء؛ في حين أن دقة بيانات الهطول والرياح اللازمة لحساب مؤشر شدة الحرائق أقل بكثير نظراً لتقلبها العالي على المقاييس المكانية الصغيرة (Decker et al. 2012؛ Akinsanola et al. 2017؛ Beck et al. 2017).

إضافةً إلى ذلك، طُوّر مؤشر شدة الحرائق أساساً في كندا ليعكس سلوك حرائق الغابات هناك، وقد عُدّل لستة عشر نوعاً رئيسياً من الوقود في كندا (Van Wagner and Pickett 1985). ولا يزال مدى مطابقة المؤشر للملاحظات الحقلية في كثير من أنحاء العالم غير واضح، لا سيما في المناطق التي تكون فيها جودة أو كمية البيانات الحقلية حول سلوك الحرائق وكتلة الوقود وخصائص الغطاء النباتي غير كافية (Dee et al. 2011).

من المثير للاهتمام أن العلاقة بين المناخ والحريق كانت تُلاحظ بقوة حتى ضمن المحافظات التي حدثت فيها معظم الحرائق داخل الأراضي الزراعية. لكن، ومع اندلاع الحرب الأهلية، انخفضت العلاقة بين المساحة المحترقة والمناخ، لا سيما رطوبة التربة، بشكل ملحوظ على الرغم من بقائها ذات دلالة هامة. وبينما تتعارض النتيجة الأولى [علاقة المناخ بالحرائق] مع الافتراض الشائع بأن العوامل البشرية قد تفك الارتباط بين المناخ والحرائق في الأراضي الخاضعة للإدارة البشرية، فإن النتيجة الثانية تدعمها الأبحاث السابقة التي أشارت إلى تقليل قدرة المناخ في السيطرة على الحرائق في المناطق ذات الضغط البشري العالي، مع استثناء الأحداث الجوية القصوى (Le Page et al. 2010؛ Archibald 2016؛ Syphard et al. 2017).

على الرغم من أن تحليلنا أشار إلى المناخ كعاملٍ مهمٍّ في تحفيز نشاط الحرائق في سوريا، فإن نموذجنا الخطي البسيط أظهر أن ما يقرب من نصف التباين السنوي في المساحة المحترقة (BA) يُفسَّر بتغير رطوبة التربة. لو كانت كمية الرطوبة التي تتلقاها النباتات خلال موسم النمو (GS)(4) وقيم مؤشر شدة الحرائق العالية (FWI) خلال موسم الحرائق (FS) هي الدافع الوحيد لنشاط الحرائق في سوريا، لكان من المفترض أن تسجل أعلى مساحة محترقة في عام 2003، العام الذي شهد رطوبة تربة فوق المتوسط وأعلى قيمة تراكمية لمؤشر شدة الحرائق. وبالحقيقة، كان عام 2003 العام الذي سجل أعلى مساحة محترقة قبل اندلاع الحرب الأهلية (579 كم²)؛ ومع ذلك، فعند تحليل السلسلة الزمنية بأكملها، يأتي عام 2003 في المرتبة الخامسة بعد أعوام 2019 و2020 و2015 و2013 (8937 و3542 و1486 و837 كم² على التوالي). لقد كان فائض الرطوبة مؤشراً جيداً على ارتفاع المساحة المحترقة في عامي 2013 و2019، بينما كانت ظروف الطقس القاسية خلال موسم الحرائق قادرة على تفسير بعض الزيادة في المساحة المحترقة في عام 2020، خصوصاً في الجزء الغربي من البلاد. ولكن من المهم التأكيد على أن أكثر من 3000 كم² من المساحة المحترقة (ما يقارب ثمانية أضعاف المتوسط السنوي للمساحة المحترقة) في عامي 2019 و2020 لم تُعزَ إلى المناخ حسب نتائج تحليلنا المناخي.

ب. العوامل البشرية المحركة لنشاط الحرائق

تُعزى التغيرات المفاجئة في الأنماط المكانية وخصوصاً الزمنية لنشاط الحرائق عادةً إلى العوامل البشرية (Syphard et al. 2017)، وفي سوريا، فإن انتشار حرائق المحاصيل على حساب الحرائق الطبيعية في سوريا يقدم مثال على العلاقة الإيجابية بين النشاط البشري والمساحة المحترقة في المناطق الجافة. وبينما تؤكد الأبحاث السابقة أن زيادة النشاط البشري تؤدي عموماً إلى قمع الحرائق وتقليل الوقود وتجزئة الغطاء النباتي؛ ذلك لم يكن الحال في سوريا.

بسبب الجفاف الشديد، فإن الإنتاجية في سوريا منخفضة للغاية؛ وتراكم الكتلة الحيوية يزداد بشكل كبير عند ري الأراضي، مما يخلق مزيداً من الوقود المحتمل للاحتراق عند توفر مصدر الاشتعال. كما يزيد النشاط البشري من عدد مصادر الاشتعال: فبخلاف ضربة البرق، تشكل الأخطاء البشرية وقطع الزجاج المكسور وحرائق الآلات المصادر الرئيسية للحوادث العرضية خلال موسم النمو (Middleton et al. 2018)، بينما تُعد حرائق ما بعد الحصاد لإفراغ الحقول ممارسةً شائعةً تُجرى عادةً بين منتصف آب وأيلول. وبذلك، لا تقتصر الحقول الزراعية على وفرة الوقود فحسب، بل يتوفر فيها أيضاً المزيد من مصادر الاشتعال، مما يخلق معاً ظروفاً مثالية للاحتراق.

بعد اندلاع الحرب الأهلية، ساهمت الصراعات العنيفة في تعزيز نشاط الحرائق عبر زيادة مصادر الاشتعال وتقليل جهود قمعها. ففي مناطق عديدة من إدلب، والرقة، وحماة، وحلب، كانت خطوط المواجهة للعمليات العسكرية تقع داخل الأراضي الزراعية أو حولها (Mohamed et al. 2020)، مما أدى إلى مزيد من الحرائق العرضية (ضرر جانبي ناجم عن القصف أو الأسلحة النارية) والحرائق المتعمدة ذات الصِّلَة بالنزاع، والتي كانت الأكثر شيوعاً خلال موسم النمو (Linke and Ruether 2021). وفي الوقت نفسه، أثرت الصراعات سلباً على خدمات الاستجابة للحرائق (Middleton et al. 2018). كل ما سبق يفسر ليس فقط التغيرات في مدى المساحة المحترقة، بل أيضاً نمطيتها الموسمية. فقد تضاعفت مساحة الحرائق المكتشفة في أيار، مما قد يحمل تبعات اقتصادية كبيرة ويؤثر على الأمن الغذائي، إذ أن معظم الحرائق حدثت داخل الحقول الزراعية، والمحاصيل الأساسية – القمح والشعير – لا تُحصد في سوريا قبل حزيران.

علاوة على ذلك، منذ عام 2011 بدأت فترة موسم الحرائق تمتد؛ إذ انتشرت الحرائق في أيلول وتشرين الأول، وهو نشاط غير نمطي لهذا الوقت من السنة في سوريا.

ج. التفاعل بين الحرائق والصراع والمناخ والغطاء النباتي

أظهرت دراستنا أن عدد الصراعات العنيفة بمفرده لا يفسر النشاط الشديد غير المسبوق للحرائق في عامي 2019 و2020. فقد تأثرت مساحة أكبر بالحرائق في عام 2019 وحده مما تأثر خلال السبع عشرة سنة السابقة مجتمعة، في حين أظهر تحليل الصراعات العنيفة انخفاضاً في شدتها بعد عام 2016، ممّا يجعل عامي 2019 وخصوصاً 2020 أكثر استقراراً مقارنة ببداية الحرب الأهلية. وبناءً عليه، قد يجادل البعض بأنه لو كانت الصراعات مسؤولة عن الزيادة الهائلة في نشاط الحرائق، لكان من المفترض أن تسجل أعلى مساحة محترقة في عام 2012 وليس 2019.

وبالفعل، لا تكفي مصادر الاشتعال وحدها لضمان وقوع الحرائق؛ إذ يلزم وجود وقود وظروف جوية ملائمة للحرائق لتسهيل الاشتعال وانتشار اللهب (Bradstock 2010). وكما نوقش سابقاً، لعبت الأمطار غير المسبوقة خلال شتاء وربيع  عام 2019 دوراً رئيسياً في الارتفاع الحاد لنشاط الحرائق. ومع ذلك، لو كان فائض الأمطار هو العامل الرئيسي لنشاط الحرائق في شمال سوريا، لكان من المتوقع أن نشهد زيادة مماثلة في المساحات المحترقة لدى جيرانه العراق وخصوصاً تركيا، اللذين حصلا على كميات أمطار مرتفعة بالمثل في 2019. إلا أن تحليلنا أوضح أن العراق وحده—حيث يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كما في سوريا، على نسبة كبيرة من الأراضي الزراعية (Eklund et al. 2017؛ Gibson 2019؛ Humud and Blanchard 2020)—هو الذي تأثر بقوة بالحرائق في 2019.

علاوةً على ذلك، عزا Schön et al. (2021) الارتفاع المفاجئ في نشاط الحرائق في سوريا عام 2019 إلى تجدد النشاط الزراعي مع الاستقرار ما بعد الصراع، إذ لم تتأثر معظم النواحي خارج الأراضي التي تسيطر عليها القوى الكردية بالحرائق. ومع ذلك، أظهر تحليل نشاط الحرائق عبر أنواع الغطاء الأرضي المختلفة وخلال عام 2020 أن الوضع في سوريا قد لا يكون بهذا الوضوح. ففي حين رُصِد في عام 2019 مساحة محترقة تزيد 19 مرة داخل الأراضي الزراعية، كان التغير داخل الأراضي الطبيعية أكثر دراماتيكية؛ فقد رُصِد 40 ضعف المساحة المحترقة خارج الأراضي الزراعية.

وفي عام 2020، انتقل نشاط الحرائق إلى الغرب، مبتعداً عن مناطق الإنتاج الرئيسية للقمح والشعير نحو الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحكومة أو المعارضة. وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO 2020)، أحرِقت أكثر من 220 كم² من الغابات والبساتين بين آب وأيلول في محافظات حمص وحماة واللاذقية وطرطوس. ويمكن تفسير استمرار انتشار الحرائق رغم التحسّن النسبي للاستقرار في سوريا بالتغيرات في أحداث الصراع داخل كل محافظة. استناداً إلى بيانات ACLED، انخفضت حدة الصراع بشكل كبير في جنوب سوريا، داخل محافظات نادراً ما تشهد نشاط حرائق نتيجة المناخ الجاف جداً وبالتالي قلة تراكم الوقود. وعلى العكس من ذلك، رُصِد زيادة في عدد الصراعات بمحافظتي الحسكة والرقة، تحديداً داخل الأراضي الزراعية، وفي شمال غرب سوريا حيث ظل الوضع الأمني متقلباً في نهاية عام 2020 (WFP 2020b). لذلك، سهّلت حدة الصراع نشاط الحرائق في المحافظات ذات المناخ الجاف عندما توفرت كميات كافية من الكتلة الحيوية بفضل زيادة الأمطار (شمال شرق)، أو في النظم الإيكولوجية غير المحدودة بالمياه بمجرد توفر ظروف جوية مناسبة للاشتعال وانتشار النيران (شمال غرب).

شروط الطقس المواتية للحرائق، والقصور في الاستجابة الطارئة بسبب الحرب، والحرائق المتعمدة التي أشعلتها تنظيم الدولة أو ميليشيات مؤيدة للحكومة أو المقاتلون المعارضون (BBC 2019b؛ عنب بلدي 2019؛ Sly 2019) ليست قائمة شاملة بالعوامل المحتملة للمساحة المحترقة العالية الحالية في سوريا. وفقاً لـ Schön et al. (2019)، فقد يكون انخفاض جودة الوقود ونقص العمالة الزراعية الماهرة نتيجة الصراع المستمر والنزوح الكبير للسكان قد ساهم أيضاً في النشاط غير الاعتيادي للحرائق. ففي المناطق الجافة، حيث تسود ظروف جوية قاسية معظم أيام السنة، يمكن لشرارة واحدة من وقود رديء أو سيجارة مشتعلة خلال فترة الحصاد أن تشعل حريقاً ينتشر بسرعة ويؤثر على مساحات شاسعة، خصوصاً في غياب خدمات الاستجابة للحرائق كما لوحظ في موسمي الحرائق 2019 و2020.

إضافةً إلى ذلك، وبسبب الاقتصاد غير المستقر وندرة الأسمدة وانخفاض أسعار المحاصيل وارتفاع أسعار الفحم، يتوغل السكان إلى الأراضي الحرجية في الغرب (Wilks 2020). حيث يستغل السكان المحليون حرائق الغابات لتوسيع نطاق الزراعة أو الرعي، ولأغراض قطع الأشجار، والتجارة بالفحم (Shehadah and Ziadeh 2020). بين عامي 2010 و2018، فقدت سوريا ربع غاباتها (Berdikeeva 2019)، وبشكل خاص 70% من الغطاء الحرجي في إدلب (Action on Armed Violence 2020b).

وختامًا، على الرغم من أن تحليلنا للمساحة المحترقة يمثل الخطوة الأولى نحو تحسين فهمنا للآليات الكامنة وراء النشاط الاستثنائي للحرائق في سوريا، فإنه أظهر تعقيد العلاقة بين الحرائق والمناخ والصراع والاقتصاد والهجرة واستخدام الأراضي. هناك حاجة إلى بحوث مستقبلية لتحليل طبيعة الصراعات العنيفة وتقييم تأثير الحرائق على الأمن الغذائي والزراعة وسبل المعيشة والتنوع البيئي. وقد وثّق بالفعل التزايد في الضغوط على الموارد الطبيعية النادرة—من مياه ومراعي وغابات—إلى جانب ارتفاع تآكل التربة وما يترتب عليه من تدهور في سوريا (Abdo 2018؛ Almohamad 2020؛ Mohamed et al. 2020؛ Mohammed et al. 2020b). ولذلك، ينبغي إعطاء اهتمام خاص للقطاع الزراعي وإدارة الحرائق، من خلال تعزيز سياسات زراعية وبيئية مستدامة لحماية الموارد الطبيعية والمحافظة على التربة الهشة في سوريا (Mohamed et al. 2020).

1.  “تم تقدير مدى المساحة المحترقة (BA) داخل حدود سوريا وفي كل من المحافظات الأربع عشرة باستخدام منتج المساحة المحترقة العالمي MODIS Collection-6 MCD64A1 بدقة 500 متر (Giglio et al. 2018) للفترة من 2002 إلى 2020. وقد لُخِّصت تقديرات BA عبر عدة فواصل زمنية لتعكس الظروف قبل الحرب الأهلية وخلالها، بالإضافة إلى السنة التقويمية الفردية والشهور الفردية ضمن موسم الحرائق (FS)” – من قسم الأساليب في المقالة.

2.  ملاحظة المترجمة: MODIS MCD64A1 هو منتَج عالمي للمساحة المحترقة مشتق من أجهزة الاستشعار Moderate Resolution Imaging Spectroradiometer (MODIS) على متن أقمار ناسا الصناعية تيرا وأكوا.


3.  “تم تعريف موسم الحرائق (FS) على أنه أقل عدد من الأشهر المتتالية التي يحدث فيها 80% من متوسط المساحة المحترقة السنوي الكلي (Abatzoglou et al. 2018).” – من قسم الأساليب في المقالة.

4. “موسم النمو (GS) من تشرين الأول إلى نيسان، وفقاً لتقويم المحاصيل لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO) للقمح والشعير (أهم المحاصيل المزروعة في سوريا) لتمثيل الظروف السابقة التي تؤدي إلى تراكم الكتلة الحيوية (Krawchuk and Moritz 2011) [هنا استخدمنا موسم النمو لحساب هذه الظروف السابقة اعتماداً على نتائج Schön et al. (2021)].” – من قسم الأساليب في المقالة.

Scroll to Top