دلير يوسف –
نعيش في عالمٍ فيه كثيرٌ من الحروب والقهر والموت: نازيّةٌ متجدّدة ويمينٌ صاعد، سوريا انتهت من دكتاتورية عاشت طويلًا انتهت بحرب امتدت لأكثر من عقد أنهكت السوريين/ات، حرب لا تنتهي في السودان، مآسٍ في اليمن وقهرٌ في ليبيا، فقرٌ وعدم إمكانيّة الوصول إلى وسائل التعليم لدى شريحةٍ واسعةٍ من البشر، زواج قاصراتٍ وتعنيفٌ أسريّ، هوموفوبيا، إسلاموفوبيا، وباقي أنواع المخاوف التي تمنعنا من العيش بشكلٍ عادلٍ وكريم.
أستطيع أن أعدّد مشكلات الكوكب حتى الصباح دون أن أنتهي، لكنّ كلّ هذه المشكلات تواجه مجموعاتٍ محدّدةً من البشر، وتؤثّر في حياة مجموعةٍ معيّنة، ولا تؤثّر في حياة آخرين، فاللواتي تعانينَ من مشكلات زواج القاصرات بشكلٍ مباشر هنّ الفتيات المرغمات على الزواج، والذين تأثروا بشكلٍ مباشر من ديكتاتوريّة بشار الأسد وإجرامه هم السوريّون وحدهم، فرجلٌ كندي يعيش في مدينةٍ بعيدة لن يتأثّر بشكلٍ مباشر بالمشكلتين السابقتين. المشكلة الوحيدة التي تواجه البشر، كلّهم، في كلّ أصقاع الأرض، هي المشكلة البيئيّة، عاجلاً أم آجلاً على كلّ فردٍ منّا أن يواجهها.
يقول عضو أكاديميّة العلوم الروسيّة، نيكيتا نيكولاييفيش مويسييف: “على البشر أن يعرفوا ما المُباح لهم، وأين يقع الخط المُميت الذي على البشر عدم تجاوزه في أيّ حالٍ من الأحوال.” لكن يبدو أنّ البشر لم يعرفوا شيئاً كهذا وتجاوزوا كلّ الخطوط المسموح بها بسبب “غبائهم وعنجهيّتهم.”
لا شكّ أن للتغيّرات المناخيّة أسبابٌ كثيرة، لكنّ أهمّ هذه الأسباب هو البشر، البشر بصناعاتهم، وإنتاجهم، واستهلاكهم غير المضبوط والمحدود، وعدم اهتمامهم بالمحيط البيئي أدّى إلى تشوّهاتٍ كثيرةٍ في بيئة كوكب الأرض، فارتفع منسوب مياه البحر وارتفعت درجات الحرارة بشكلٍ غير مسبوق، وتغيّرت كميات هطول الأمطار، وتحوّلت غاباتٌ إلى صحارٍ، واختفت مناطق جليديّة، مثلما حدث في مناطق من القطب الشمالي، واختفت بحارٌ وبحيرات، مثلما حدث لبحر آرال في آسيا الوسطى، وحصلت فيضاناتٌ مفاجئة، كتلك التي ضربت السواحل الأمريكيّة وسواحل شرق آسيا، ومن المتوقّع حدوث هذه الفيضانات بشكلٍ أكبر في المستقبل، ما سيؤدّي إلى اختفاء بعض الدول والجزر من الخارطة، فتتغير جغرافيّة الأرض، كثيرٌ من الحيوانات انقرض وأنواع أخرى كثيرة مهدّدة بالانقراض، المحاصيل الزراعيّة سوف تتأثّر بشكلٍ سلبيّ جدّاً والطعام الذي اعتدناه سيقلّ تدريجيّاً، لنرَ مجاعاتٍ كثيرةً لم نعهدها من قبل. المياه الصالحة للشرب سوف تندر، ومن المتوقّع أن تقام حروبٌ في المستقبل من أجل الوصول والتحكّم بمنابع المياه العذبة.
يتوقّع الخبراء أنّ في العام 2050 سيسقط ملايين، وربما مئات الملايين، من البشر كضحايا للتغيّرات المناخية، هاربين من نقص المياه والمجاعة والكوارث الطبيعيّة، فضلاً عن مئات الملايين من اللاجئين الذين سيغزون دول العالم، هاربين من مفرزات تلك التغيّرات.
ما سبق ليس من وحي الخيال، كلّ هذا يحدث الآن وسنرى النتائج الكارثيّة في المستقبل القريب، ومن المتوقّع أن تصل درجات الحرارة إلى أعلى مستوياتها في بعض المناطق خلال السنوات القليلة الماضية، ومن المتوقّع أن تكون الحياة في منطقة الخليج العربي مستحيلةً بعد ثمانين سنة، لأنّ درجات الحرارة ستصل إلى مئة درجة مئويّة. الفيضانات التي نراها على شاشات التلفاز في مناطقَ بعيدةٍ عن بلادنا كلّ عام، والعواصف التي ضربت جنوب أوروبا مؤخّراً، والحرائق التي ضربت شمال الكوكب، كلّها شواهد على الضريبة البيئيّة التي سندفعها في المستقبل، كوننا ننتمي إلى جنس البشر الفاعل الأكبر وأكثر الكائنات المتفاعلة في بيئة كوكب الأرض، وما يحدث هو نتيجةٌ حتميّة لاستهلاكنا الغبيّ ولأنماط حياتنا غير المسؤولة.
في سوريا، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 23 مليون نسمة، يرزح اليوم حوالي 90% من سكانها تحت خط الفقر (كان العدد في العام بداية العام 2011 قريبًا من 10%). في سوريا هذه تدمّر القطاع الزراعي بشكل مهول خلال السنوات الخمسة عشر الأخيرة، وخسرت البلاد الكثير من الأراضي الصالحة للزراعة، وتراجع إنتاج القمح والقطن، وهي من المحاصيل الأساسية في الاقتصاد السوري، بمعدل حوالي 50 إلى 60%. كما فقدت البلاد أكثر من 20% من غاباتها وغطائها الشجري.
المدن السوريّة من أكثر المدن تلوثًا، نفايات في كلّ مكان وهواء ملوّث يكاد يكون غير صالح للتنفس. في سوريا توجد صعوبة في الوصول إلى المياه الصالحة للشرب.
كلّ هذا دون أن نحكي عن الآثار طويلة المدى التي خلّفها الصراع واستخدام الأسلحة والمواد الكيماوية من قبل نظام الأسد.
صحيح أنّني سوريّ وأنّ كلّ ما يحدث في سوريا يمسّني بشكلٍ مباشر ويؤثّر في حياتي مثلما يؤثّر في حيوات السوريين/ات، لكنّني قبل ذلك إنسان أعيش على كوكب الأرض، والتغيّرات المناخية الحاصلة تؤثّر على حياتي وعلى حياة من حولي. لو كانت التغيّرات المناخية حادثةٌ واحدةٌ تحصل وتقضي علينا جميعاً، كأن يضرب نيزكٌ ما الكرة الأرضيْة وينهي كلّ العذاب والآلام، لكنتُ هللتُ وفرحتُ بقدومه، لكنّ التأثيرات الحاصلة جرّاء التغيّرات المناخيّة تحصل على دفعاتٍ مختلفة من القهر والألم، وكلّ ما عرفناه في حياتنا سيبدو وكأنّه مزاح إذا ما قارناه بما سيحدث. كلّنا سنتأثّر بما سيحدث، كلّنا سنفقد بيوتاً وأهلاً وأحبّة بسبب التغيّرات المناخيّة. سيصل الخراب الكبير بلادنا مثلما سيصل بلاداً أخرى (إن قلنا إن ما حدث لم يكن خراباً كبيراً)، لذلك يجب أن يبدأ التغيير الآن وفوراً، هذا إن لم يفتنا القطار وكان الوقت مازال متاحاً من أجل التغيير والنجاة بعد كلّ ما جنيناه.
نٌشرت نسخة سابقة من هذا المقال في العام 2019 في موقع رصيف22، لكن دون ذكر الفقرات المتعلقة بسوريا، لذا وجب التنويه.