أشجار الزيتون بين الحرق والقطع

نشر البرنامج السوري للتغيير المناخي على صفحاته في وسائل التواصل الاجتماعي صورة توضّح تحوّل بساتين مزروعة بأشجار الزيتون في ريف إدلب، وبالتحديد في محيط قرية حزارين، في العام 2018 إلى أراضي قاحلة في العام 2025، بسبب “القطع الجائر للأشجار من قبل قوات النظام البائد” حسب الوصف المرافق للصورة.

ليست هذه المرة الأولى، ولا المكان الأول في سوريا، الذي ترد منه تقارير عن قطع أشجار الزيتون، فقد سبق ذلك عدد من التقارير التي تحدّثت عن قطع عناصر من ميليشيات الجيش الوطني، التي انحلت لاحقًا وانضمت إلى الجيش السوري الجديد والذي تشكّل بعد سقوط نظام الأسد، لأشجار الزيتون في مناطق عفرين خلال سنوات متفرقة.

ورغم نفي الجيش الوطني لتلك الادعاءات، إلّا أنّ منظمات حقوقيّة مثل مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا قد أصدرت بيانات تتهم فيها ميليشيا الحمزات وميليشيا السلطان مراد بـ”إحداث المزيد من الدمار البيئي والاقتصادي في المنطقة”، وذلك عبر قطعها أشجار الزيتون بشكل مستمر. 

كذلك قال المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان صادر في تشرين الثاني 2024 إنّ “مجموعات مسلحة تابعة لما تُسمى بـ <اقتصادية فرقة السلطان مراد> قد نفذت عمليات سرقة ممنهجة استهدفت محاصيل الزيتون في قرى تابعة لناحية معبطلي وبلبل بمنطقة عفرين”. 

كما قالت في نفس البيان إنّ مسلحين من فرقة المعتصم قد قاموا بقطع 25 شجرة زيتون وثماني شجرات سرو في مواقع مختلفة من ريف عفرين.

بحسب مدير مكتب الزيتون في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في العام 2015، مهند ملندي، الذي قال في تصريحات صحفية إنّ سوريا كانت تحتل المرتبة الرابعة العالمية والأولى عربياً في الإنتاج، والذي يفوق المليون طن من الثمار، ما ينتج عنه 175 ألف طن زيت زيتون، ويصل عدد الأشجار الكلي للأشجار 106 مليون شجرة، منها حوالي 82 مليون شجرة مثمرة. وكانت وزارة الزراعة قد قالت في العام 2018 إنّ أعداد أشجار الزيتون في سوريا تبلغ حوالي 102 مليون شجرة من 75 صنف مختلف من الزيتون.

أضاف ملندي أنّ حوالي 600 ألف أسرة سورية تعيش بشكل مباشر أو غير مباشر على خدمات زراعة وقطاف وتصنيع وتجارة الزيتون، معتبراً أنّ قطاع زراعة الزيتون من أهم قطاعات الاقتصاد السوري. 

لكن، أوضاع زراعة الزيتون في سوريا تأثرت بشكل مباشر بالحرب والتغيير المناخي وقطع الأشجار العشوائي والحرائق، مما أدى إلى تراجع أعداد الأشجار في سوريا وقلّت الصناعات المعتمدة على الزيتون، حتى وصل الأمر إلى خروج الزيت السوري في العام 2024 من التصنيف الدولي بسبب عدم مطابقته للمعايير التي تضعها هيئة المواصفات العالمية والمجلس الدولي لزيت الزيتون، حسب أقوال صحفيّة منسوبة إلى رئيس قسم  تكنولوجيا الأغذية في البحوث العلمية الزراعيّة في سوريا، محمد الشهابي، الذي أضاف أنّ الهيئة أمهلت سوريا حتى عام 2026 “لتصبح المعايير السورية متطابقة مع العالمية.

خسرت سوريا خلال سنوات 2011-2024 الكثير من إنتاجاتها، وبحسب تقرير صحفي منقول عن صحيفة تشرين التي والت نظام الأسد أثناء حكمه، فإنّ الإنتاج السوري خلال عام 2024 بلغ 429 ألف طن من الزيتون (أي أقل من نصف إنتاج العام 2015)، واستخلص حوالي 55 ألف طن زيت (أقل من ثلث إنتاج العام 2015).

أظهرت دراسة نُشرت في العام 2024، أنّ الأمراض البكتيرية ستشكل، مع استمرار درجات الحرارة العالمية في الارتفاع، تهديداً متزايداً لأشجار زيتون البحر المتوسط، وأنّ الاحترار العالمي يعمل على زيادة وتيرة انتشار هذا المرض، وذلك حسبما نقل موقع الجزيرة

دفع التغيير المناخي، والجفاف الذي ضرب سوريا لسنوات طويلة وعدم توفير الدولة لحلول بديلة، بعض أصحاب الأشجار إلى استبدال زراعة الزيتون بأشجار أسهل للزراعة مثل شجر اللوز، وذلك بسبب عدم توفر مياه السقاية في كثير من الأماكن، وعدم توفر الوقود أو المبيدات الحشرية اللازمة.

هذا التغيّر في مناخ المنطقة، وقطع أشجار الزيتون خلال سنوات الحرب لأسباب مختلفة، والحرائق التي ضربت سوريا خلال السنوات الأخيرة، سواءً أكانت حرائق مفتعلة أو طبيعية، قد أثّرت بشكل كبير على قطاع زراعة الزيتون، والتي تعد من أقدم الأنشطة الزراعية في سوريا وتحتل مكانة كبيرة في الثقافة الشعبية السوريّة، لكنّها جعلت من شجرة الزيتون رمزاً للمقاومة، سواء أكانت مقاومة السكان المحليين للميليشيات المختلفة أو مقاومة المزارعين في للتغيرات المناخية.

نتذكر في نهاية هذا التقرير مطلعَ قصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش، يقول فيها: 

شجرة الزيتون لا تبكي ولا تضحك.

هي سيدة السفوح المحتشمة.

بظلها تغطي ساقها،

ولا تخلع أوراقها أمام عاصفة.

Scroll to Top