ليدا زيدان –
مبادرة بنك البذور السوري، مبادرة لافتة تم الإعلان عنها مؤخراً لحماية البذور المحلية في سوريا، حيث تعمل على إنشاء بنك للبذور السورية على اعتبار أن التنوع البيولوجي في سوريا أصبح مهدداً، بعد سنوات طويلة من الحرب وسيطرة رأس المال العالمي وتحكمه بالصناعة الزراعية، وتعديل الشركات الجينات الوراثية للمحاصيل لتحصل على خصائص معينة تلبي الاحتياجات التجارية، هذه العوامل دفعت لتأسيس هذه المبادرة بهدف حماية البذور التراثية في سوريا.
كان لمجلة لحلاح لقاء مع مؤسس مبادرة أرشيف البذور السوري علي الزين وهو مؤسس مشروع Bees & Refugees في المملكة المتحدة – لندن يقول:
“بدأت فكرة مشروع أرشيف بذور سوريا منذ سنوات، عندما أطلقت مشروع النحل في لندن وأسست مزرعة لدعم اللاجئين، في ذلك الوقت طلبت من أقاربي إرسال بعض البذور البلدية السورية، لكنهم واجهوا صعوبة في العثور على بذور أصيلة، كنت على دراية بالممارسات الضارة لشركات تهجين البذور وتأثيرها السلبي على الأمن الغذائي في الدول النامية، مما عزز لديّ أهمية الحفاظ على البذور الأصلية”
واجهت الزين العديد من الصعوبات في تنفيذ مشروعه في سوريا، حيث أنه غادر البلاد عام ٢٠١٢ وكان من الصعب عليه العودة، أو القيام بأي خطوة من الخارج تمكنه من البدء بالمشروع، لكن جاء سقوط النظام فرصة لتحقيق ذلك يقول” عدت خلال الأيام الأولى، وكان شغلي الشاغل التفكير في كيفية توظيف الخبرات التي اكتسبتها في الغربة لخدمة البلد”.
ويضيف “جاءت فكرة تأسيس مزرعة مجتمعية، مشابهة لمزرعة لندن، توفر مساحة آمنة لإقامة ورش عمل، وتستخدم الزراعة وتربية النحل كوسيلة للدعم النفسي للأشخاص الذين تعرضوا لصدمات الحرب، وكان أرشيف بذور سوريا جزءاً أساسياً من هذه المبادرة”
بعد إطلاق المبادرة بدأ المتطوعون بالانضمام إليها ووصل عددهم إلى ١٢ متطوع حتى الآن، وتسعى المبادرة لتوسيع عملها والوصول لجميع المناطق في سوريا، من خلال شراء البذور من المزارعين، وفتح باب التطوع للعمل على حماية التراث الزراعي.
كيف بدأ المشروع وما أنجزه حتى الآن؟
يقول علي إنه بدأ بطرح فكرته على الأصدقاء والمجتمع المحيط، ووجد دعمًا كبيراً، وعند الإعلان عنه، تواصل العشرات من المهتمين بحفظ البذور، وخلال أيام تشكلت شبكة من المتطوعين من مختلف أنحاء سوريا، بدأ المتطوعون بالتواصل مع الفلاحين في مناطقهم لحصر أنواع البذور الأصلية المتوفرة.
“حتى الآن، وجدنا بذوراً أصيلة فقط في حوران والقنيطرة والرقة. تمكنا من شراء أول دفعة من القمح السوري الأصيل، والشعير البلدي، وفول الصويا، والذرة البيضاء، والسمسم الأسود، والحمّص. كما ننتظر وصول بذور إضافية من الرقة”.
وعن الأهداف التي حققها المشروع يضيف الزين:
“نجحنا في بناء شبكة من المتطوعين والخبراء والمهتمين بحماية البذور الأصلية، تضم مزارعين ومهندسين زراعيين ومتخصصين في هذا المجال”
ما الذي يحتاجه المشروع من الحكومة والمجتمع المحلي؟
تعتبر سوريا مصدراً لأقدم أنواع البذور الأصيلة خاصة القمح والشعير، وكانت سوريا هي من أهم المصدرين للحبوب البرية الأصيلة لنباتات مختلفة، وتحتوي على أكبر بنك للبذور في العالم، لكن الحرب وتراجع الزراعة والجفاف سببوا تراجعاً للزراعة وفقداناً للبذور الأصيلة، يتوجب على الحكومة مع المجتمع المحلي.
التعاون لتفادي ضياع هذه الثروة الزراعية، يقول الزين عما يمكن أن تقدمه الحكومة لمشروعه:
“نعمل حالياً على لقاء المحافظ لطرح مشروع المزرعة المجتمعية ومكتبة البذور بهدف استئجار قطعة أرض من المحافظة لإنشاء أول مزرعة مجتمعية داخل مدينة دمشق، بمجرد تأمين الأرض، يمكننا التقدم للحصول على تمويل من منظمات دولية لدعم المشروع، إن توفر تمويل محلي سيكون أمراً رائعاً لكننا ندرك أولويات مؤسسات الدولة، لذلك لا نعتمد على دعم مالي حكومي، بل نحتاج فقط إلى تخصيص الأرض وسنتكفل بالباقي”.
فيما يلعب المجتمع المحلي وخاصة المزارعون دوراً مهماً في الحفاظ على البذور الأصيلة يتابع الزين:
“بالنسبة للمجتمع المحلي ما زلنا نواجه صعوبة في العثور على بذور بلدية، إذا كان هناك مزارعون يحتفظون ببذور أصيلة ومستعدون لبيع جزء منها، فنحن مهتمون بجميع الأنواع، من الخضروات والفواكه إلى الأعشاب الطبية والزهور، كذلك يمكن للمجتمع المساهمة بنشر الوعي حول مخاطر البذور المهجنة على صحة الناس وعلى سيادة بلدنا الغذائية”.
الأهداف طويلة المدى
يساعد مشروع أرشفة البذور في الحفاظ على أساس منتجاتنا الغذائية، ويأتي كدعم للزراعة في سوريا بعد سنوات من تراجعها، حفظ البذور الأصيلة يحتاج لشروط بيئية خاصة على المدى الطويل، وضمان عدم اختلاطها بالبذور المهجنة والتي هي نسخ معدلة وراثياً تضمن إنتاجية عالية، إلا أنها تنهك التربة، وتصبح معرضة أكثر للأمراض وتعتمد على المبيدات، بينما تتميز البذور الأصيلة بمقاومتها العالية وغناها بالمواد الغذائية وتكيفها مع المناخ.
عن الأهداف المستقبلية لمشروع أرشيف البذور يقول مؤسسه:
“هدفنا الأساسي هو إنشاء شبكة داعمة للفلاحين الذين يزرعون البذور البلدية، لمساعدتهم في تأمين البذور وتصريف إنتاجهم بأسعار عادلة، مما يشجع المزيد من المزارعين على الانضمام للمبادرة. سنبدأ بتوزيع بذور على الفلاحين، على أن يعيدوا لنا نسبة من المحصول، مما يمكننا من توسيع المبادرة عامًا بعد عام ودعم عدد أكبر من المزارعين”
تعتبر هذه المرحلة مهمة لحماية التراث الطبيعي والبذور المحلية، خاصة مع سيطرة رأس المال على العالم الذي يسعى إلى التحكم بالتنوع الطبيعي، مما يسبب تهديداً للأمن الغذائي مع سيطرة شركات تعتمد الصناعة الزراعية وهذا يجعل الحفاظ على البذور الأصيلة أكثر صعوبة، لذلك تعتبر مبادرة أرشيف البذور السوري مبادرة مهمة في مواجهة خطر النفاذ والهشاشة وفقدان التنوع النباتي