نور سليمان –
“نهر الذهب” كما كان يسمى في الماضي، لما كان يوفّره من خيرات تنتشر على ضفافه. إلا أنّ الواقع اليوم يعكس صورة مختلفة تماماً، إذ تحوّل النهر تدريجياً إلى مجرى للصرف الصحي، في ظل تفاقم المخالفات والإهمال الإداري. فقد باتت المطاعم والمصانع والتجمعات السكانية تلقي مخلفاتها في النهر، ما أدى إلى تلوّثه بشكل خطير انعكس سلباً على البيئة والصحة العامة، نتيجة لعدة عوامل.
التوسع العمراني غير المنظم والمنشآت الصناعية والتجارية
أدى النمو السكاني السريع في دمشق وريفها إلى زيادة الضغط على الموارد المائية، ما أسفر عن تصريف كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي غير المعالجة مباشرة إلى النهر، ومع غياب شبكات صرف صحي كافية، أصبحت بعض المناطق تعتمد على تصريف المياه العادمة بشكل مباشر في بردى، ما أدّى إلى تلوّثه.
تعمد العديد من المنشآت الصناعية إلى تصريف نفاياتها الكيميائية مباشرة في النهر، مما يسبب تلوثاً خطيراً للمياه، بالإضافة إلى انتشار الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة. وتزايد عدد المصانع والمشاغل الواقعة على ضفاف النهر، ما أدى إلى تصريف مخلفاتها الكيميائية والعضوية في مياهه دون أي معالجة مناسبة. تشمل هذه الصناعات معامل الجلود، والصناعات الغذائية، والمقالع، والكسارات، التي تطرح نفاياتها الصناعية مباشرة في النهر، مما يزيد من مستويات التلوث.
كذلك تسبّبت بعض المنشآت السياحية والمطاعم المشيّدة على ضفاف النهر في زيادة التلوث، حيث تقوم بإلقاء مخلفاتها ومياه الصرف الخاصة بها في النهر دون مراعاة القواعد الصحية والبيئية، ومع قلة الرقابة وضعف الإجراءات الرادعة، لوحظ وجود كميات كبيرة من النفايات الصلبة مثل البلاستيك والمعادن والزجاج التي يتم رميها في النهر عشوائياً، هذه المخلفات أدّت إلى انسداد مجرى النهر، وتفاقم مشكلة التلوث.
ضعف البنية التحتية للصرف الصحي
تعد هذه المشكلة من أخطر العوامل التي تهدد النهر، حيث تصب كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي المنزلية والصناعية في مجرى النهر دون معالجة. وبسبب قلة محطات المعالجة، تستمر هذه المشكلة في الأضرار بجودة المياه والصحة العامة للسكان. وتعاني دمشق وريفها من قِدم شبكة الصرف الصحي، وغياب محطات معالجة كافية للمياه العادمة. وفي ظل عدم توفر حلول فعالة، استمر تصريف المخلفات السائلة في مجرى النهر، مما جعل التلوث مشكلة مزمنة.
الدراسات أكدت أنّ هذه المياه تحتوي على مستويات مرتفعة من العناصر الثقيلة مثل الرصاص، الكادميوم، والزئبق، مما يشكل خطراً على صحة الإنسان والحيوان عند استهلاك المحاصيل المروية بهذه المياه، إلى جانب التعديات البشرية، فإن التغيرات المناخية ساهمت في تفاقم المشكلة. فقد أدى انخفاض معدلات الهطول المطري وتراجع مصادر المياه الجوفية إلى تقليل تدفق مياه النهر، مما جعل تأثير الملوثات أكثر وضوحاً، حيث لم يعد للنهر القدرة الكافية على تنظيف نفسه ذاتياً.
هناك فجوة بين الخطط الموضوعة والتنفيذ الفعلي على الأرض، رغم توافر الدراسات والمقترحات، لم يتم تنفيذ مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي بالشكل المطلوب. ومن بين المشاريع التي طُرحت إنشاء محطات معالجة، إذ وضعت وزارة الموارد المائية خططاً لإنشاء محطات معالجة في سرغايا، الزبداني، بقين، مضايا، وجمرايا، لكنها لم تنفذ بسبب العراقيل الإدارية والاعتراضات على مواقع المحطات. إضافة إلى ذلك، رفع مصبات الصرف الصحي، حيث تعمل شركة الصرف الصحي على رفع مصبات الأبنية السكنية المخالفة وتحويلها إلى شبكات معالجة، إلا أن ذلك لم يشمل جميع المناطق التي تصب في بردى، كما يتطلب إصلاح الأراضي المتضررة جهوداً طويلة المدى من خلال استخدام تقنيات الري الحديثة ومعالجة التربة الملوثة لإعادة خصوبتها.
الحلول المقترحة لإنقاذ نهر بردى
تعاني البلاد من أزمة اقتصادية حادة، ما يؤثر على قدرة الحكومة على تمويل مشاريع البنية التحتية البيئية. وإذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه، فإن أزمة نهر بردى ستتفاقم، ما سيؤدي إلى مزيد من التدهور البيئي والصحي. الحل يتطلب إرادة سياسية حقيقية لإعطاء الأولوية للقضايا البيئية، بالإضافة إلى تعزيز الرقابة، وتفعيل القوانين البيئية بشكل أكثر صرامة، ودعم المشاريع المستدامة لمعالجة المياه. كما أن دور المجتمع المدني يجب أن يكون أكثر تأثيراً في الضغط على الجهات المسؤولة لاتخاذ إجراءات جدية للحفاظ على النهر.تعزيز التعاون بين الجهات المعنية لضمان تنفيذ الخطط البيئية بكفاءة.
وفي سبيل إنقاذ نهر بردى، يجب إطلاق حملات توعية بيئية لتشجيع السكان على الحفاظ على النهر والمشاركة في تنظيفه، وتطبيق قوانين بيئية صارمة ومعاقبة المنشآت التي تلوث النهر، كما لا بد من تطوير البنية التحتية للصرف الصحي لضمان عدم تصريف مياه الصرف في النهر مباشرة، واستخدام التقنيات الحديثة في معالجة المياه، مثل الأنظمة البيولوجية المتقدمة.