هل تعود مياه العاصي إلى مجاريها؟

ليلى جروج

تتعدّد المنشآت المائية في محافظة حماة من سدود ومحطات ضخّ، تعرّض معظمها للسرقة أو التخريب خلال السنوات السابقة، أو تأثّرت جودة عملها بسبب الفساد والإهمال، ولعلّ أكثر ما يميّز مركز المحافظة هو مرور نهر العاصي خلالها وقسمها إلى نصفين، ووجود النواعير ذات الأهمية الأثرية والقيمة التاريخيّة بالنسبة للمدينة وسكانها، لكن؛ ومع مرور الزمن باتت الروائح الكريهة والمياه الملوّثة هي ما يرتبط بذهن السكان في المحافظة.

 أما في مدينة محردة فهناك جيل كامل لا يعرف شكل السد الحقيقيّ في مدينته لأن زهرة النيل شربت مياهه وغطّت سطحه.

بالنسبة لسد الرستن؛ يتعرّض جسم السد لضغط كبير قد يؤدي إلى الانهيار بعد قصف طيران النظام السابق للجسر الرئيس الذي يربط محافظتي حماة وحمص في كانون الأول الماضي.

جرت لمجلة لحلاح لقاءً مع مدير الموارد المائية في محافظة حماة مصطفى سماق وقفنا خلاله على حالة معظم المنشآت المائية في المحافظة، والتحديات والحلول المقترحة.

يعرّف مصطفى سماق زهرة النيل بأنها آفة زراعية تنتشر في سد محردة وفروع العاصي في سهل الغاب، بدأت بالظهور عام 2006. تم التعامل معها في بداية ظهورها من خلال الأعداء الحيوية مثل سوسة زهرة النيل Neochetina eichhorniae، وهي فعّالة لكنها لا تتناسب مع البيئة والمناخ في سوريا، فهي تتطلب مناخاً حاراً لتتكاثر وتقوم بنشاطها بشكل جيد، فأعطت نتيجة جزئية وليست كاملة.

وعن آثارها يوضح: “تؤدي زهرة النيل إلى جفاف مياه النهر، زهرة واحدة من الممكن أن تمتص يومياً من 2 إلى 5 متر مكعب من الماء، فهي شرهة للماء، في بعض الأحيان من الممكن أن تشكّل طبقة كتيمة، وتأخذ حصة المزروعات من المياه، تقريباً تأخذ ثلث حصة الأراضي الزراعية من المياه”.

من جهة ثانية تؤدي كثافة زهرة النيل بحسب سماق إلى موت الكائنات البحرية بسبب عدم نفاذية الضوء، وفي موسم انتشارها (الربيع – الصيف) من الممكن أن تشكل طبقة كتيمة سميكة تمكّن الإنسان من السير عليها دون الوقوع في الماء.

يرى سماق أن الجهود المبذولة سابقاً لمكافحة الزهرة فشلت بسبب عدم السيطرة عليها بشكل كامل عندما كانت الدولة قائمة وبكل إمكانياتها، فقد كان من الممكن السيطرة على البؤرة الأولى التي ظهرت بها، على الجهة الأخرى يقول السماق: “هذه العملية تحتاج إلى جهد جبار، على الأخص في ظل أنقاض الدولة التي نعمل بها اليوم، برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة قدموا حصّادة صغيرة وإلى الآن لم نحصل على مخصصات المحروقات لأسباب ماليّة ومصرفيّة تخص المنظمة، فالعمل على حصاد الزهرة مرهون بتمويل المنظمة، على الرغم من أن حصادة واحدة لا تكفي لأنها صغيرة”.

ويردف: “مشكلة زهرة النيل أنها تتكاثر بشكل كبير وسريع جداً، ولا يمكن التخلص منها إلا من خلال حصادها وإبعادها عن مجرى نهر العاصي وبعدها إذا ظهرت بؤر صغيرة أو جديدة فيمكن التعامل معها بطرق أسهل، مع الأسف كان يجب أن تنتهي عملية حصادها خلال الفترة الماضية لأنها فترة ميتة بالنسبة للزهرة التي تعود للنشاط مع بداية الربيع، وتتكاثر بشكل كبير في الصيف، حيث من الممكن أن يزيد المتر المكعب الواحد خمسة أضعاف، من حيث الحجم والوزن”.

يتبع السد إدارياً إلى محافظة حمص، أما كجسم مائي فهو يتبع لمديرية الموارد المائية في حماة، تعرّض جسر الرستن لقصف جويّ من قبل النظام السابق في كانون الأول الماضي، مما أدى إلى تحويل الطريق باتجاه جسم السدّ وبحسب سماق فقد تم إرسال فرق مساحيّة لقياس الانزياحات والهبوطات الموجودة والتي تلاحظ بالعين المجردة، وعلى إثرها تمّت مناشدة الجهات المعنيّة لتحويل الطريق، خصوصاً بعد عبور شاحنات بأوزان ثقيلة جداً عبر جسم السد، وقد تجاوبت الجهات المعنية مع طلب تحويل الطريق، وتم قطعه بالنسبة للشاحنات الثقيلة وتحويلها إلى طريق سلمية، أما الآليات الخفيفة فلا تؤثر على جسم السد بناءً على دراسات المهندسين.

يرى سماق أن موسم الجفاف الحالي وعدم هطول الأمطار حال دون وقوع كارثة كبيرة: “تتسع البحيرة لـ 250 مليون متر مكعب، في العام الماضي كان التخزين 144 مليون متر مكعب، أما هذا العام فهو 60 مليون متر مكعب، وهو النصف تقريباً عن العام الماضي، ولو كانت البحيرة ممتلئة لكانت الكوارث أكبر.”

 ولم تتوقف مشاكل السد عند هذا الحدّ إذ تعرضت لوحات التحكم الخاصة به للسرقة والتخريب ويقول في هذا السياق: “تعرّض السد للتخريب من خلال قطع الأكبال للحصول على النحاس الذي في داخلها، مما يعيق عملية فتح بوابات السد، وتم تقديم دراسة للإدارة العامة لإجراء صيانة سريعة ومبدئية تكلفتها بشكل تقريبي عشرة آلاف دولار.”

انطلقت مبادرة لتنظيف نهر العاصي ضمن أنشطة مبادرة ’’حماة تنبض من جديد’’ برعاية محافظ حماة عبدالرحمن السهيان، وبحسب سماق فالمبادرة ليست لتنظيف كامل المجرى وإنما داخل مركز مدينة حماة فقط، ويعدّ حجم العمل كبير جداً، تتضافر فيه أكثر من جهة منها: مديرية الموارد المائية، مؤسسة الصرف الصحي، منظمة E clean، وكلها تحت إدارة المحافظة.

 يقول سماق عن أسباب تراكم الأوساخ داخل النهر: “منذ خمسين عاماً لم يتم تنظيف مجرى النهر؛ لذلك حجم العمل كبير جداً، من المعروف أن كل محافظة لها رصيد لمشاريع سواء جديدة أو صيانة، لكنها كانت وهميّة، والسبب فساد إداريّ بحت، لو تم تحويل مياه الصرف إلى أماكن ثانية بدلاً من تحويلها إلى نهر العاصي لكان الوضع مختلف، مع العلم أن النهر يمر من منتصف المدينة ويقابل مبنى المحافظة، فمن المفترض أن تكون هذه المنطقة هي الأجمل وليس العكس، على الأخص مع وجود النواعير وأهميتها التاريخية بالنسبة للمدينة والسكان.”

أما باقي المجاري المائية خارج مركز مدينة حماة، فبحسب سماق يتم تنظيفها قبل موسم الري عبر تنظيف قنوات الري، التي لا تحتاج إلى تنظيف دائم لولا إهمال الأهالي، فكل مجرى رئيسي أو فرعي تحوّل إلى مكبّ نفايات في القرى، باستثناء القنوات التي تعبر ضمن الأراضي الزراعية فهي شبه نظيفة.

يرى سماق أن عملية التنظيف هذه تحتاج إلى جهد ووقت وتكلفة مادية عالية، من الممكن اختصارها إذا تعاون الأهالي والبلديات في كل مدينة وقرية على مكافحة رمي القمامة داخل القنوات.

قدّمت مديرية الموارد المائية في حماة مشاريع أوليّة، ومذكرات، وتقييم احتياج لكل المنشآت المائيّة إلى الهيئة العامّة للموارد المائيّة ومنها إلى وزارة الزراعة لعرضها على المنظمات العاملة للمباشرة في العمل على إعادة التأهيل والصيانة بما في ذلك سد قسطون، أما بالنسبة لسد أفاميا؛ يقول: “هو ليس سد تجميعيّ وإنما سد ضخ، لكن معدّات الضخ ومحطّاته تعرّضت للتخريب، وطالما محطات الضخ معطلّة فالسدّ خارج الخدمة، في حال تمّت الاستجابة لطلب صيانته من قبل الوزارة أو المنظمات، وعاد إلى العمل، فستعود المياه إلى مجاري الري ومنها إلى الأراضي الزراعية.”

أما بالنسبة لسد زيزون فمنذ انهياره عام 2002 لم يتغيّر الوضع فيه، وبقي على حاله لكن وبحسب سماق فقد تمّت دراسة حالته وتقييم الاحتياج الخاص به من قبل المديرية في حماة، مثله مثل كل المنشآت المائية في المحافظة.

يقول سماق: “الوجع واحد في جميع المنشآت المائية ليس فقط في حماة وإنما في سوريا، حيث تعرّضت معظم السدود ومحطات الضخ للتخريب، وللأسف بعض عمليات التخريب كانت متعمّدة، وهي أفعال تدل على انعدام مسؤولية الفاعلين سواء من قبل جيش النظام السابق، أو ضعاف النفوس الذين استغلوا الفوضى يوم التحرير وسرقوا معدّات وأكبال لن تعود عليهم بالمنفعة المادية لكنها قيّمة وهامة بالنسبة للمنشآت.”

وختم سماق حديثه بالتأكيد على ضرورة تضافر الجهود من خلال الاعتماد على البلديات للتوعية والتنبيه على موضوع رمي القمامة في أقنية النهر في القرى، كما تتم دراسة رفع كتاب إلى محافظ حماة للإيعاز إلى البلديات لمراقبة وضع الأقنية وفرض غرامات على المخالفين، فإذا ساعدت كل بلدية بتنظيف القمامة في منطقتها ستخفف العبء عن الموارد المائية وستنعكس النتائج الجيّدة على الجميع.

يذكر أنه تم يوم أمس فتح سد الرستن لضخ 65 مليون متر مكعب من المياه باتجاه قنوات الري في ريفي حماة الشمالي والغربي، بحسب مذ اكره للحلاح مصدر في مديرية الموارد المائية.

Scroll to Top