مشروع (ورقة): الدمج بين الحفاظ على البيئة والعمل الخيري

ليلى جروج

على الرغم من تراجع الاهتمام بالقضايا البيئية في سوريا خلال سنوات الحرب، تبرز إحدى المبادرات المحلية حاملةً بذور الأمل والتغيير من خلال رسم مسار مختلف يجمع بين حماية البيئة والعمل الخيري.

يُعنى مشروع تدوير الورق (ورقة) بأعمال الاستدامة البيئيّة، حيث يشكّل صلة الوصل بين مستخدمي الأوراق ومعامل إعادة تدويرها، بشراكة مجتمعيّة مع مؤسسة حقوق الطفل.

انطلق المشروع عام 2010 كنتاج حديث من مجموعة من السيدات المؤمنات بفكرة إعادة التدوير عن إمكانية جمع المخلّفات الورقيّة، ونشر الفكرة بين الأهل والأصدقاء، لجمع أكبر كميّة ممكنة من المخلّفات، ليتمّ بيعها لمعامل إعادة التدوير، على أن يعود ريعها للجمعيات الخيريّة.

تحدثت مديرة المشروع، هانيه البارودي، لمجلة لحلاح حول المشروع وفكرته التي بدأت قبل خمسة عشر عاماً، وبعد شهرين من طرح الفكرة تم جمع 3 طن من المخلّفات الورقيّة، وتمّ التبرع بالمبلغ الناتج عن بيعها لمؤسسة حقوق الطفل، التي تُعنى برعاية الأطفال وكفالة الأيتام، بالإضافة إلى مجموعة من المشاريع الخيريّة.

البارودي أشارت إلى أن المشروع توسّع بشكل تدريجيّ، وبدأ بالانتشار في دمشق وريفها، وتضيف: “كانت البداية بسيارة واحدة ثم سيارتين، حتى وصل المشروع إلى معظم مناطق دمشق، لكنه توّقف عام 2012 بسبب الأوضاع في سوريا”.

تم استئناف العمل في المشروع عام 2016 تزامناً مع عودة المعامل في ذلك الوقت إلى نشاطها، لكنها لم تكن عودة سهلة، خاصةً في ظل أزمة المحروقات التي شهدتها البلاد في تلك الفترة، “ما أدى إلى وجود حالة من الصعود والهبوط في المشروع، لكنه استمر”.

تتمثّل الأهداف الحاليّة للمشروع، بحسب البارودي، في التوسّع داخل دمشق وريفها من خلال توزيع أكبر عدد ممكن من الحاويات المخصصة لإعادة التدوير في أكبر عدد ممكن من القطاعات، لافتةً إلى وجود “محاولات للتوّجه إلى الجامعات الحكومية والخاصة، بهدف تغطية معظم القطاعات التي تخرج عنها مخلّفات ورقيّة، مثل المدارس والجامعات والمشافي والمصارف وغيرها، بعدها سيكون التوسّع في باقي المحافظات هو الهدف التالي”.

تشرحت هانيه البارودي لمجلة لحلاح الطريقة التي يتم فيها إكمال العمل، إذ تقوم على توزيع صناديق خاصة لجمع الأوراق عند الطلب، أي بإمكان من يرغب في تثبيت حاوية، سواء في مكان خاص أم منشأة، التواصل مع المشروع، ويتم تفريغ الحاويات بشكل دوريّ، حيث تم تخصيص يوم واحد لكل منطقة في دمشق وريفها، ولا يقتصر الأمر على المنشآت فقط، فيمكن لكل شخص أن يجمع الورق في بيته، وإذا زادت الكمية عن 15 كغ يتكفّل المشروع بإحضارها، تضيف البارودي: “كما تتوفر عدة مراكز لتجميع النفايات الورقية في مناطق مختلفة، فمن يكون المركز قرب مكان إقامته، يأخذ الأوراق إليه وفق توقيت معيّن، لتكون العملية بسيطة وسهلة بالنسبة للناس”.

بعد تجميع الأوراق يتم بيعها إلى معامل إعادة التدوير، ويذهب ريعها إلى مؤسسة حقوق الطفل لدعم المشاريع الخيريّة، تقول البارودي: “عملياً نحن حلقة الوصل بين المعمل والمخلّفات الورقيّة، للحصول عليها بطريقة حضارية بدلاً من وضعها في الحاويات التي تتعرض ”للنبش” بشكل دائم ما يؤثر سلباً على البيئة من جهة، وعلى المجتمع بشكل كبير لأن معظم العاملين في ”النبش” هم من الأطفال”.

تعتبر البارودي أن حملات التوعية جزء أساسي من آلية العمل وأحد الطرق التي تساهم في استمراريته ونجاحه، تقولفي هذا الصدد: “نقصد المدارس ونشرح للأطفال عن أهمية المشروع بيئياً وخيرياً بطرق قريبة منهم، وكان هناك تحدٍّ بين المدارس بهدف جمع أكبر كمية من المخلّفات، وأحياناً في نهاية العام يتم توزيع الهدايا على الأطفال كنوع من التحفيز لهم عند إحضارهم للكتب المدرسية منتهية الصلاحية أو الدفاتر التي يريدون التخلّص منها عبر إعادة التدوير”.

كما تأخذ التوعية طريقاً أكثر تخصصاً عبر التركيز على أنواع المخلفات الورقية، وثقافة فرز النفايات وتأثيرها على البيئة، تقول البارودي: “نعمل على نشر هذه الفكرة بين أفراد الجيل الجديد ليتعرّفوا على ثقافة فرز النفايات، وتأثير أفعالهم البسيطة على البيئة”.

أما عن الربط بين العمل الخيريّ والعمل البيئيّ، تقول: “نشرح للأطفال أن ورقة الدفتر التي يعيدون تدويرها ستتحول الى دفتر لطفل آخر، أو تساهم في توفير التعليم أو الرعاية الصحية له.. لهذه الورقة دورة كاملة، فهي تخرج منهم إلى التجميع، ثم المعمل، ثم الأموال، التي ستخدم طفلاً آخر بحسب احتياجه، ومن هنا جاء الشعار الذي نعتمده، وهو صدقة بورقة”.

ترى البارودي أن انجذاب بعض الناس إلى المشروع يعود إلى مضمونه البيئي-الخيري، فأي ورقة يرميها الإنسان هي بمثابة صدقة، وتردف: “بدلاً من رمي المخلفات الورقية في الحاوية وإتلافها أو حرقها أو تعفّنها، توضع في صندوق إعادة التدوير وتتحوّل إلى أموال ترفد المجتمع بمخرجات جديدة خصوصاً أن ريعها خيري لدعم الفئات الهشة في المجتمع، وهو ما يشجع كثيراً من الشباب وطلاب المدارس”.

كما تشدد على ضرورة وجود قوانين تلزم المواطنين أو قرارات تخصّ مراكز المحافظات لتتحول هذه الأفعال البسيطة إلى جزء من ثقافة المجتمع السوري، تقول: “أثّرت الظروف التي تعرّضت لها سوريا بشكل كبير على اهتمام الناس بتأثيرهم على الأرض والتغيّر المناخي، وعلى دورهم الإيجابيّ في التقليل من هذه الكوارث، إجمالاً الأمور بحاجة إلى توعية سواء عبر المحاضرات أو وسائل الإعلام، كما تتطلّب دعماً حكومياً للمشاريع حتى يتم تحقيق نتائج جيدة على مستوى سوريا ككل”.

لا تعتبر البارودي أن الصعوبات التي تواجه المشروع منفصلة عن الأحداث التي عاشتها سوريا في الأعوام السابقة مثل أزمة البنزين وتأثيرها على العمل، تقول: ” أدت مشكلة المحروقات ووجود الحواجز سابقاً والحركة المحدودة داخل البلاد إلى تأخر عملية جمع المخلفات الورقيّة، ما سبّب أحياناً حالة من الغضب عند بعض المتبرّعين”، ولم يقتصر الأمر على المشروع فقد أثّرت الأزمة على المعامل نفسها، تضيف: “أُغلقت بعض المعامل بين فترة وأُخرى نتيجة الظروف، حيث وصل بنا الأمر إلى عدم توفّر من يشتري المخلّفات الورقيّة”. 

كما تشير البارودي إلى أن ضعف التمويل هو أحد التحديات التي لا يمكن تجاهلها، حيث يفتقر المشروع إلى التمويل الكافي لنشر أكبر عدد ممكن من الحاويات على مستوى مدينة دمشق، أو توفير سيارة إضافية لجمع المخلفات الورقيّة وإيصالها إلى المعامل، كما “يعيق ضعف التمويل التنسيق مع الجهات الحكوميّة لأخذ التراخيص اللازمة لتوزيع الحاويات على نطاق أوسع، لذلك يقتصر العمل حالياً على القطاع الخاص، من مكاتب وشركات”.

تختم البارودي حديثها لمجلة لحلاح برسالة إلى المجتمع بالقول: “أشجع على دعم أي مشروع مستدام يُحافظ على البيئة والموارد الطبيعية، لأن حماية كوكب الأرض مسؤولية جماعية، وكل جهد، مهما كان صغيراً، سيساهم في الحفاظ على مستقبل الجميع، لذلك كل مساهمة ستصنع فرقاً على أرض الواقع، ليس على مستوى البيئة فقط؛ بل على حياة شخص آخر”.

Scroll to Top