نوار الخطيب –
لا يزال السوريون يعانون من تبعات الأعمال العسكرية ويدفعون أثماناً باهظة إلى يومنا هذا، على الرغم من مرور أربعة أشهر على سقوط نظام الأسد، إذ تشهد سوريا ارتفاعاً مأساوياً في عدد الضحايا بسبب الألغام والذخائر المتفجرة من مخلفات الحرب، وويكاد لا يمر يوم دون تسجيل حادث أو أكثر، ولا سيما في خطوط المواجهة القديمة.
خطر مخلفات الحرب على المزارعين
يُعتبر المزارعون الفئة الأكثر عرضةً للقتل أو الإصابة بسبب الألغام أثناء عملهم في حراثة الأرض أو سقيها أو حتى المشي فيها، وغالباً ما تكون إصاباتهم بالغة وقد تؤدي إلى بتر أطراف أو إعاقات دائمة، ونتيجةً لذلك، تتحوّل بعض الأراضي الزراعية إلى أراضٍ مهجورة لأن الناس يخافون الاقتراب منها، كذلك يتم إخلاء القرى والمزارع التي يُخشى من كثرة وجود مخلفات الحرب فيها.
كل ذلك يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي وارتفاع أسعار الغذاء في الأسواق المحلية، فضلاً عن فقدان كثير من المزارعين لمصدر رزقهم الرئيس، وربما الوحيد، ما يضطرهم للبحث عن عمل بديل، يكون في معظم الأحيان بأجر أقل أو في ظروف أسوأ.
آثار بيئية وخيمة
لا يقتصر خطر مخلفات الحرب من ألغام وذخائر غير متفجرة على حياة المزارعين أو أثرها السلبي على الاقتصاد، بل يتعداها إلى مخاطر بيئية على المدى الطويل بسبب احتوائها على مواد كيميائية مثل TNT وRDX، والتي يمكن أن تتسرب إلى التربة أو المياه الجوفية، ما من شأنه أن يتسبب في تلوّث المحاصيل، والمياه التي يشربها البشر وحتى الحيوانات.
علاوةً على ذلك تؤدي الانفجارات إلى قتل النباتات وتدمير الأشجار، أي فقدان الغطاء النباتي وبالتالي تعرية التربة وجعلها أقل خصوبة، وكذلك تتسبب في مقتل الحيوانات وهو ما يمكن أن يؤدي لاختلال التوازن البيئي في المناطق الزراعية.
نصف سكان سوريا معرضون للخطر
بلغ عدد الضحايا 748 شخصاً في الفترة الممتدة بين الثامن من كانون الأول و الخامس والعشرين من آذار الفائتين، مقارنةً بـ 912 شخصاً عام 2024.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر قالت في بيان بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام إن الألغام والذخائر تسببت بمقتل أطفال أثناء اللعب في مدينتي درعا وحماة، فيما أصيبت نساء ومزارعون أثناء عملهم في أراضيهم بمدينة دوما، بالإضافة لإصابات بسبب جمع الخردة المعدنية في دير الزور وإدلب.
البيان أوضح أن أهم أسباب تزايد ضحايا الألغام والمخلفات الحربية هو عودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم دون التأكد من تلوثها بالألغام، بالإضافة لانتشار المركبات العسكرية من بقايا النظام السابق والتي قد تحتوي على متفجرات، ووجود أسلحة ومعدات عسكرية منتشرة في أماكن مختلفة دون متابعة أي جهة، مما أدى إلى قيام الأفراد بتفكيك المتفجرات بأنفسهم وهذا ما زاد من تعرضهم للخطر، أضف إلى ذلك الضحايا ممن يعملون في جمع الخردة والمخلفات دون معرفتهم بكيفية التعامل معها.
كما أشار بيان اللجنة إلى أن “نصف سكان سوريا يتعرّضون لمخاطر مميتة يومياً، والأطفال هم الفئة الأكثر عرضة لذلك، حيث أن واحداً من كل ثلاثة ضحايا للذخائر هو طفل”، ويضيف البيان أن تأثير ذلك لا يتوقف على فقدان الأفراد لحياتهم بل أصبح خطراً على حركتهم وتنقلاتهم، وعملهم إن كان في الزراعة أو غيرها إضافة إلى صعوبة الوصول لرعاية الصحية في حال تعرضهم للخطر”.
كذلك شدد البيان على ضرورة توسيع نطاق التوعية بمخاطر مخلفات الحرب، وزيادة الجهود لإزالة الألغام وتخصيص المزيد من الموارد المالية والمعدات للمساعدة في التخلص من الذخائر غير المنفجرة.
الأطفال يشكلون النسبة الأكبر من الضحايا
المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، سهير زقوت، قالت لوكالة الصحافة الفرنسية “إنه في عام 2024 وثقت اللجنة 288 حادثة انفجار أدت لإصابة 900 شخص” منهم 380 قد فقدوا حياتهم، مضيفة أن عدد الإصابات في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي تجاوز أكثر من نصف الإصابات التي سُجلت عام 2024 مشيرة إلى أن ثلث الإصابات كانت من الأطفال”.
من جهته وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 324 شخصاً منذ بداية عام 2025 من بينهم 70 طفلاً و17 امرأة، فيما أصيب 314 آخرون بينهم 135 طفلاً و 3 سيدات.
توزع الضحايا على مناطق مختلفة من سوريا، حيث شهدت مناطق سيطرة الحكومة مقتل 258 شخص منهم 13 سيدة و 58 طفلاً، فيما أصيب 21 بينهم 85 طفلاً و3 سيدات، أما في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية فقد قتل 15 أشخاص من بينهم سبعة أطفال وسيدة نتيجة انفجار دخائر حربية، كما أصيب 31 آخرون بجروح بينهم 25 طفلاً، وشهدت مناطق سيطرة الجيش الوطني مقتل 51 شخصاً منهم خمسة أطفال وثلاث سيدات، بالإضافة لإصابة 64 بجروح بينهم 25 طفلاً.
مدير الاتصالات في منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” ريكاردو بيريز، قال في وقت سابق إن أطفال سوريا يعانون من الأثر الوحشي للذخائر غير المنفجرة، مضيفاً أن ما لا يقل عن 116 طفلاً قتلوا و أصيبوا بسبب الذخائر في كانون الأول.
وأضاف بيريز أن الأطفال في أنحاء سوريا يواجهون تهديداً غير مرئي، ويزيد النزوح من تفاقم هذا الخطر، منوهاً إلى وجود ما يقارب 324 ذخيرة غير منفجرة في سوريا، فيما يعيش حوالي خمسة ملايين طفل في مناطق خطرة، ودعا إلى زيادة التوعية بمخاطر الألغام والعمل على إزالتها، ليتمكن الأطفال من معرفتها وتجنبها.