مخاطر التغيرات المناخية على الاقتصاد السوري 

نور سليمان

تُعَدُّ سوريا من الدول التي تواجه تحديات بيئية متزايدة نتيجة للتغيرات المناخية، والتي تتجلى في ارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط الهطولات المطرية، وزيادة تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة. هذه التغيرات لها تأثيرات مباشرة على الموارد المائية، الزراعة، والأمن الغذائي، ما يزيد من تعقيد الوضع البيئي والاقتصادي في البلاد.

سجلت سوريا خلال العقود الماضية ارتفاعاً في متوسط درجات الحرارة تجاوز 1.14 درجة مئوية، ووصلت في بعض المناطق إلى 1.54 درجة مئوية عام 2018. ومع استمرار هذه الزيادة، يُتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة بمقدار يتراوح بين 2 و4 درجة مئوية بحلول عام 2050، هذا الارتفاع يتماشى مع الاتجاه العالمي للاحترار، ولكنه يحمل تداعيات خاصة على بلد يعاني من تحديات بيئية واقتصادية متعددة.

خلال السنوات الأخيرة، تجاوزت درجات الحرارة في سوريا معدلاتها الطبيعية بفارق يتراوح بين 5 إلى 7 درجات مئوية. كما لوحظ ارتفاع قياسي في موجات الحر، حيث زاد عدد الأيام التي تجاوزت فيها درجات الحرارة 40 درجة مئوية، مع تزايد عدد موجات الحر في السنوات العشر الأخيرة.

هذا الارتفاع في درجات الحرارة أدى إلى زيادة معدلات تبخر المياه، مما تسبّب في نقص حاد في الموارد المائية المتاحة. كما أثر ذلك على الأنظمة البيئية، حيث ساهم في تقليل مستويات المياه في الأنهار والبحيرات، مما يهدد بقاء العديد من الأنواع الحيوانية والنباتية. 

الصحة العامة لم تكن بمنأى عن هذه التغيرات، إذ تسببت موجات الحر المتزايدة في ارتفاع معدلات الأمراض المرتبطة بالحرارة، مثل ضربات الشمس والجفاف، خصوصاً بين الفئات الأكثر ضعفاً كالأطفال وكبار السن.

شهدت سوريا خلال العقود الأخيرة تغيرات كبيرة في أنماط الهطولات المطرية، حيث انخفضت معدلات الهطول السنوي بنسبة تتراوح بين 10% و20% في بعض السنوات، ما أدى إلى تراجع خطير في تغذية المياه الجوفية والسطحية. ولم يقتصر الأمر على تراجع كمية الأمطار، بل باتت الهطولات أكثر تطرفاً، إذ شهدت البلاد مواسم جفاف طويلة تليها أمطار غزيرة خلال فترات قصيرة، ما تسبب في حدوث فيضانات وسيول مدمرة، كما حدث في محافظة الرقة، حيث دمرت الفيضانات الأراضي الزراعية وألحقت خسائر فادحة بالمزارعين ومربي المواشي.

أصبحت هذه الظاهرة أكثر وضوحاً في السنوات الأخيرة، حيث كان ربيع عام 2021 مثالاً على التقلبات المناخية الحادة، إذ بدأ النصف الأول من الموسم بارداً ورطباً، قبل أن تتحول الأجواء إلى موجات حرارية قصيرة ومتتالية، مما أثر على نمو المحاصيل الزراعية. في بعض الحالات، هطلت الأمطار في غير مواسمها، ما تسبب في تلف المحاصيل وإلحاق خسائر بالمزارعين الذين يعتمدون على نمط زراعي تقليدي يصعب تعديله وفق التغيرات المناخية السريعة.

تعتمد الزراعة والإمدادات المائية في سوريا بشكل رئيسي على مياه الأمطار، ما يجعلها عرضة لتقلبات المناخ وتغيراته. على مدار العقود الماضية، تعرضت الموارد المائية في البلاد لاستنزاف متزايد نتيجة النمو الاقتصادي والتنافس الدولي على مصادر المياه المشتركة، وهو ما تفاقم بفعل التغير المناخي.

تشير بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) إلى أن سوريا تواجه جفافاً شديداً وطويل الأمد، أدى إلى تفاقم أزمة ندرة المياه، لا سيما في شمال وشرق البلاد. وأجبرت موجات الجفاف المتكررة المزارعين، وخاصة الشباب، على هجر الزراعة والاتجاه للعمل في قطاعات أخرى، مما انعكس سلباً على الإنتاج الزراعي. في عام 2010، انخفض إنتاج المحاصيل الزراعية بمقدار الثلث مقارنة بمتوسط الإنتاج في السنوات السابقة.

وازداد هذا التدهور مع انعكاسات الأزمة السورية على القطاع الزراعي. بحسب منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، لم يتجاوز محصول القمح لعام 2021 1.05 مليون طن، وهو أدنى مستوى إنتاج منذ قرابة نصف قرن، مسجلًا انخفاضاً بنسبة 63% مقارنة بعام 2020، حيث بلغ الإنتاج آنذاك 2.8 مليون طن. كما يشكل هذا الرقم 25% فقط من متوسط الإنتاج السنوي بين عامي 2002 و2011، والذي بلغ 4.1 مليون طن.

لم تتوقف تداعيات التغير المناخي عند التأثيرات البيئية والاقتصادية، بل امتدت إلى الجوانب الاجتماعية، حيث تسبب الجفاف وتدهور الأراضي الزراعية في موجات نزوح داخلية، إذ أجبرت الظروف المعيشية الصعبة العديد من العائلات الريفية على الانتقال إلى المدن بحثاً عن فرص عمل بديلة. هذه الهجرة الداخلية أدت إلى زيادة الضغط على المدن، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، مما خلق تحديات اجتماعية جديدة زادت من تعقيد الأوضاع في البلاد.

ويؤدي الجفاف والتغيّر العالمي في نسق سقوط الأمطار إلى فشل المحاصيل وزيادة أسعار الأغذية، مما يعني انعدام الأمن الغذائي والحرمان من الأغذية للفقراء، وهذا قد يؤدي إلى تأثيرات تمتد مدى الحياة، إضافة إلى تدمير سبل العيش، وزيادة الهجرة والنزاعات، وكبح الفرص للأطفال واليافعين

في تصريح سابق، عضو منظمة الفاو، الدكتور نادر نور الدين، قال إن المنطقة العربية تعيش على وقع عاصفة غير مسبوقة، لكن هذه العاصفة ليست من نوع العواصف الرملية التي تعتادها، إنها عاصفة تغير المناخ، تهدد بتدمير كل ما تقف عليه قواعد المجتمع العربي، ولا شك أن الآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذه التغيرات القاتلة تتسع يومًا بعد يوم، وتهدد بتفاقم الفقر وعدم المساواة في المنطقة، خاصة وقد ارتفعت درجات الحرارة في المنطقة بمعدل أسرع من المتوسط العالمي، حيث ارتفعت بمقدار 1.5 درجة مئوية خلال العقود القليلة الماضية، ويُتوقع أن تستمر في الارتفاع. 

في ظل هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتكيف مع التغير المناخي والتخفيف من تأثيراته السلبية. ومن الضروري العمل على استراتيجيات للحفاظ على الموارد المائية، إضافة إلى البحث عن حلول واضحة للأزمات التي حلّت في سوريا، وقد نشر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية تقريراً عام 2023 تحدث فيه عن التهديد المتزايد لتغيير المناخ على سوريا، مشيراً فيه إلى أن الصراع المستمر في سوريا لا يزال العامل الرئيسي وراء تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، إلا أن آثار تغير المناخ تلعب دوراً متزايداً في تعقيد الوضع. وأوضح التقرير أن هناك حاجة ماسة لتمويل عاجل ومستدام لمساعدة المجتمعات السورية على التكيف مع التغيرات المناخية، وذلك من خلال برامج التعافي المبكر وتعزيز القدرة على الصمود.

كما شدد التقرير على أن التحول نحو اقتصاد أكثر استدامة ومرونة مناخية أصبح ضرورة ملحة في سوريا، مؤكداً أن تحقيق ذلك يتطلب دعماً دولياً للاستثمار في الطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام الموارد، والزراعة المستدامة. كما دعا إلى تعزيز المبادرات الرامية إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وتحسين القدرة على التكيف مع المناخ، واستعادة الأنظمة البيئية المتضررة.

وكذلك أشار التقرير إلى ضرورة تصميم وتنفيذ هذه التدخلات بعناية، مع أخذ مختلف النطاقات الزمنية للطقس والمناخ في الاعتبار، بهدف التنبؤ بآثار تغير المناخ والحد من تداعياته.

على المستوى المجتمعي، يجب تعزيز الوعي البيئي بين السكان، من خلال برامج تعليمية وتوعوية توضح تأثيرات التغير المناخي وأهمية تبني سلوكيات مستدامة. كما أن دعم البحوث العلمية في مجال المناخ والبيئة يمكن أن يوفر حلولًا مبتكرة تساعد في التكيف مع التحديات المناخية المتزايدة.

تشكّل التغيرات المناخية تحدياً كبيراً لسوريا، حيث أثرت على البيئة والاقتصاد والمجتمع بشكل غير مسبوق. مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الهطولات المطرية، يتزايد الضغط على الموارد الطبيعية، مما يستدعي تبني سياسات واستراتيجيات فعالة للتكيف مع هذه التغيرات والتخفيف من آثارها. التعاون بين الجهات الحكومية والمنظمات البيئية والمجتمع المدني سيكون ضرورياً لضمان بناء مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة، وتقليل المخاطر التي تواجهها سوريا بسبب التغير المناخي المتسارع.

Scroll to Top