ليدا زيدان –
تُعدّ سوريا من البلدان الغنية بالنباتات، وهذا ما يمنحها تنوّعاً حيوياً واسعاً، إذ تشمل تضاريسها السهول الساحلية والداخلية والجبال والمرتفعات والمناطق الصحراوية، وهذا يؤدي بكبيعة الحال إلى وجود نباتات تتأقلم مع ظروف بيئية مختلفة.
في علم النبات يُطلق مصطلح “الفلورة” على مجموعة النباتات التي تنمو في منطقة معينة وفي وقت معين، واستناداً إلى هذا التعريف يمكننا اعتبار الفلورة السورية متنوعة وشاملة لأنواع واسعة من النباتات، ولكن ما واقع الفلورة في سوريا اليوم؟ وما الذي نعرفه عن أنواع النباتات في سوريا؟
مبادرة فلورة سوريا
تتمثّل فلورة النباتات بشكل أساسي بتوثيق الأنواع النباتية من حيث توزّعها وتصنيفها إن كانت عشبية أو شجيرات أو أشجار أونباتات مائية. هذا التوثيق يساعد في حماية النباتات والحفاظ عليها ومعرفة الهوية البيئية لسوريا، وعلى الرغم من قلة العمل على مشاريع توثّق الأنواع النباتية في سوريا، إلا أنه برز مؤخراً واحد من المشاريع التي عملت في هذا السياق، وهو مبادرة “فلورا سوريا أون لاين FSOL”، وهو موقع إلكتروني يهتمّ بتوثيق التنوّع الحيوي النباتي في سوريا.
مؤسس المشروع، الدكتور موفق الشيخ علي، يقول لمجلة لحلاح: “جاءت فكرة المبادرة أثناء عملي خلال مرحلتي الماجستير والدكتوراة على الغطاء النباتي الطبيعي في سوريا، حيث واجهتني -كغيري من الباحثين- صعوبات كبيرة في الحصول على معلومات حديثة وموثقة عن الفلورة الطبيعية في سوريا”.
حتى الآن لا توجد دراسات عربية أو موسوعات علمية تتحدّث عن فلورة سوريا، وبحسب الشيخ علي اهتم الباحثون الغربيون بفلورة سوريا والشرق الأوسط منذ أواسط القرن السابع عشر، وأصدروا عدة موسوعات وكتب عن هذه النباتات، إلا أنه لا توجد أي موسوعة أو مصدر باللغة العربية، كما أن “أحدث موسوعة متكاملة عن نباتات سوريا ولبنان صدرت عن أعمال الباحث الفرنسي Paul Mouterde التي تمت في أواسط القرن الماضي وهي باللغة الفرنسية”، يوضح الشيخ علي ويردف: “لهذا يمكننا القول إنه لا توجد أي موسوعة محدّثة عن النباتات الطبيعية في سوريا أو حتى ترجمة للمعلومات الموجودة عن هذه النباتات”.
يتابع الشيخ علي: “نتيجة الحاجة، وبعد انتهائي من إنجاز الدكتوراة التي تضمّنت نتائج مهمة عن أكثر من 542 نوع نباتي في سوريا، وطبيعة العمل الذي أقوم به كاستشاري في البيئة وإدارة الموارد الطبيعية، أتيحت لي الفرصة لجمع قدر كبير من البيانات والصور والمعلومات عن نباتات سوريا، فقرّرت أن أطلق هذه المبادرة”.
أهداف المبادرة
تهدف المبادرة بشكل أساسي إلى توثيق التنوع الحيوي النباتي في سوريا في شكل سهل الاستخدام، كما أنها تركز على تعزيز الوعي العام والمعرفة بأهمية التنوع الحيوي النباتي، وتعتمد على التشاركية في المعرفة مع المجتمع المحلي والجامعات ومراكز البحوث والطلاب والمنظمات غير الحكومية في مجال الحماية والاستخدام المستدام للتنوع الحيوي النباتي. يقول الشيخ علي: “مهمتنا هي إطلاق أنشطة في مجال البحث وجمع البيانات وتبادل المعلومات وتوثيق النباتات في سوريا”.
تعتمد (FSOL) اللغة العربية لتوثيق التنوع الحيوي النباتي ووصفه على مستوى الأنواع، كما تضع ضمن خططها مجموعة من الآليات لتطوير المواد التدريبية والمناهج التعليمية لعلماء النبات والبيئة، ويتمثّل هدفها الرئيسي في تقديم وصف موحّد للنباتات السورية مع صور ورسوم توضيحية وخرائط للأنواع، يتابع الشيخ علي: “عند الانتهاء من جمع النباتات وإنجاز التقاطعات اللازمة سنتمكن من صياغة مشروع وطني لإصدار موسوعة نباتية جديدة”.
إنجازات المبادرة
في البداية كانت مبادرة FSOL فردية واستغرقت سنوات حتى استطاعت اجتذاب مساهمات من باحثين سوريين وحتى باحثين عرب عملوا أو أتموا دراساتهم في سوريا، يتابع مؤسس المبادرة: “غدونا الآن 12 عضواً، وتتراوح مساهمات الأعضاء بين بضعة صور ومجموعة بيانات إلى مئات الصور والبيانات الواسعة”.
حتى الآن تمكنت مبادرة فلورة سورية من توثيق 3382 نوعاً نباتياً في سوريا، وتنتمي هذه الأنواع إلى 1031 جنساً و150 فصيلة، ويعكس هذا الغنى الكبير للتنوع الحيوي في سوريا إذا ما قارناه مثلا ببلدان أكبر ، “هناك قرابة 2500 نوع في السعودية و 1750 في المملكة المتحدة ولكن 11000 في تركيا”. كما استطاعت المبادرة أن تقوم بتسجيل 144 نوع نباتي جديد في الفلورة السورية لم تكن قد وردت في الموسوعات السابقة.
يضيف الشيخ علي: “تم توثيق وجود هذه الأنواع في أكثر من 52 ألف موقع محددة بالإحداثيات الجغرافية وموزعة على كامل مساحة الجغرافية السورية، يضاف إلى ذلك أننا قمنا بتدقيق الأسماء العلمية لقرابة 718 نوع نباتي تم اعتماد أسماء علمية جديدة لها عالمياً”.

طريقة العمل في المشروع
تعتمد طريقة العمل في المشروع على نتائج أعمال حقلية قام بها مؤسس المشروع بين عامي 1992 و2007، والتي تم استكمالها لاحقاً من خلال زيارات ومسوح حقلية متفرقة حسب منطقة العمل، نظراً لطبيعة عمله كاستشاري في إدارة الموارد الطبيعية وما يتتطلّبه ذلك من تعاون مع عدد من المنظمات الدولية أو المشاريع في سوريا”.
أما بالنسبة للأعضاء الآخرين في المبادرة فإن مساهماتهم تعتمد على البحوث والدراسات التي قاموا بها من خلال عملهم الجامعي أو دراساتهم الجامعية. كما تعتمد المبادرة على تحديث البيانات بشكل شبه يومي ومعالجتها للوصول إلى تحديد عدة نقاط رئيسية، كالمواقع التي لم تشملها أعمال المبادرة حتى الآن وهناك نقص في البيانات حولها، والمناطق ذات الغنى النسبي العالي والبحث عن الأنواع المتوطنة والتي لا توجد إلا في سوريا، ويشير الشيخ علي إلى أنه يدعو إلى “إنشاء محميات طبيعية للحفاظ على الأنواع ذات الأهمية الخاصة أو تلك التي قد تكون مهددة بالتدهور والإنقراض”.
واقع النباتات في سوريا بعد الحرب
يعتبر الشيخ علي أنه من الصعب الحكم على الواقع الحالي للنباتات البرية والتنوع الحيوي النباتي تحت تأثير عاملي الحرب والحرائق دون إجراء المسوحات الحقلية والزيارات الميدانية، ويقول: “إذا ما أخذنا عامل الحرب الطويلة التي خاضتها البلاد والكميات الضخمة من الأسلحة التي تم استعمالها، كل ذلك سيكون له تأثير حتمي على الموائل الطبيعية التي تعيش فيها النباتات”.
إلى جانب الحرب، هناك أيضاً الحرائق، والقطع المتعمد والعشوائي للأشجار، وهي عوامل قد تكون تسببت في تراجع وربما تدهور أعداد الأفراد من بعض أنواع النباتات، وهذا يتطلّب “إجراء التقييمات وفق المعايير الدولية التي تم اعتمادها من الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN وهذا ما نسعى إليه من خلال مبادرتنا لتحديد المناطق الأكثر تضرراً من ناحية، والأكثر غنى والتي نسميها المناطقة ذات الأولوية او المفتاحية من ناحية أخرى”.




