ليدا زيدان –
بدأت المواضيع البيئية تأخذ، بشكل تدريجي، حيّزاً في الحياة العامة بعد سقوط النظام السابق، إذ ظهرت عدة مبادرات هدفها التوعية بالمواضيع البيئية والاهتمام بالتنوع الحيوي في سوريا والحفاظ عليه.
المبادرة السورية للبيئة (SEI) واحدة من هذه المبادرات، وأطلقها مجموعة من النشطاء البيئين بهدف تسليط الضوء على التحديات البيئية التي تواجهها البلاد بعد سنوات الحرب ومعالجتها، ويتلخص عمل المبادرة بدراسة التبعات البيئية للنزاع من تلوث للتربة والمياه، بالإضافة للجمع بين الجهود العلمية والمجتمعية لحماية البيئة والتركيز على نشر سلوكيات آمنة بيئياً والحث على العمل لتحقيق تعافي البيئة، من خلال خلق بيئة نظيفة وصحية.
الفكرة والتأسيس
انطلقت المبادرة السورية للبيئة مؤخراً، ويتألف فريقها الأساسي من أربعة نشطاء مختصين: سارة سيد، عالمة بيئة ومتخصصة في مجال إدارة موارد المياه، يوسف حيدر، طالب دكتوراه في الكيمياء التحليلية، أسيمة باكير، عالمة بيئة و متخصصة بمجال إدارة موارد المياه، ونور زايد، دكتورة في العلوم الطبية الحيوية متخصصة بالكيمياء الحيوية و علم الأحياء الجزيئي.
عن فكرة المبادرة وسبب تأسيسها تحدثت أسيمة باكير لمجلة لحلاح: “نحن أربعة أشخاص يجمعنا شغفنا بالبيئة وحبنا لبلدنا والإحساس بالمسؤولية والرغبة أن نقدم شيئاً مفيداً للبلاد، سوريا فيها تنوع بيئي مميز من الجبال للساحل و الصحراء ولكي نحافظ على هذا التنوع والطبيعة أطلقنا هذه المبادرة، وتحديداً بعد سقوط النظام بسبب شعورنا، مثل كثير من المبادرات، أننا نملك فرصة لفتح صفحة جديدة مع أمل كبير بالتغيير نحو الأفضل”.
تتمثّل الأهداف الأساسية الأولية للمنظمة بنشر الوعي بالمواضيع البيئية، والخطر الذي لحق بالبيئة نتيجة الحرب في سوريا واستخدام الأسلحة والمعدات الثقيلة وما خلفه ذلك من ضرر على الغطاء النباتي والتربة بشكل أساسي، بالإضافة لأشكال التلوث المختلفة التي تسبب فيها، تتابع باكير/ “أهدافنا هي نشر الوعي البيئي في المجتمع السوري، لانه للأسف شبه معدوم، ولنحافظ على البيئة ينبغي أنيفهم المجتمع أهمية الموضوع، وبالإضافة لذلك يجب أن يكون بين الناس والأرض علاقة وطيدة، وهذا الشي لا يتحقق بلا وعي و معرفة”.
تشير باكير إلى أنه بالإضافة لنشر الوعي بما يمكن أن يكون مستقبل البيئة والحياة في سوريا، من المهم أيضاً وجود مختصين يتابعون التغيرات المناخية الطارئة ويدرسون أسبابها ونتائجها، وتضيف: “يجب أن تتوفر لدينا قاعدة بيانات تتضمن معلومات وإحصاءات بيئية، مثل ما هي نسبة هطول الأمطار هذه السنة، و كم انخفض منسوب الأنهار، و إلى ما هنالك لأن بيانات من هذا النوع مهمة لمتابعة و مراقبة المشاكل البيئية المتواجدة مثل شح المياه أو التصحر”.
أسباب الاهتمام بالبيئة في هذه المرحلة
يعود انتعاش المبادرات البيئية والإضاءة على المخاطر المحيطة بالبيئة بعد سقوط النظام السابق لأسباب كثيرة، وخاصة بين مجموعات من الشباب، انطلاقاً من شعورهم بالمسؤولية تجاه البلاد وعودة إحساسهم بـأهمية الدور الذي قد يقوم به كل فرد تجاه المكان الذي ينتمي إليه بعد أن كانت سنوات الحرب تشكل عبئاً ثقيلاً وتمنع أي محاولة للتفكير بما يمكن إنجازه بهذا الخصوص. تقول باكير: “لا يمكننا إعادة إعمار البلاد في غياب بيئة متوازنة، إذ أن جزءاً من اقتصادنا يعتمد على محاصيل معينة متل الزيتون، ولتأمين هذه المحاصيل نحن بحاجة لمقومات بيئية جيدة. التنوع البيئي في سوريا مميز و الحفاظ عليه هو الحفاظ على هويتنا و أرضنا”.
يمكننا القول إن الآثار التي خلفتها الحرب على البيئة في سوريا أصبحت واضحة وتؤثر على حياتنا بشكل كبير، وهذه التأثيرات شاملة، فقد تسببت بجميع أنواع التلوث، بدءاً من التربة وخطر المواد المتفجرة والألغام وتحول مساحات زراعية واسعة إلى أراض قاحلة، إلى المياه والتأثير الذي طال الآبار والينابيع والأنهار وتلوثها، بالإضافة إلى أثر الحرب على الأنواع الحيوانية وهجرتها أو انقراضها. “بكل تأكيد هناك خطر كبير على التنوع الحيوي في سوريا بسبب انعدام الاهتمام بالبيئة و بالحيوانات و النباتات الأصلية بالمنطقة و هذا الإهمال أدى عبر الزمن لانقراض انواع من الحيوانات كانت جزء أساسي من النظام البيئي لدينا، إذا لم نبدأ الاهتمام بالبيئة اليوم فيمكن أن نخسر أنواعاً أخرى من الحيوانات و النباتات و بالتالي يتختل التوازن البيئي و التنوع الحيوي”، توضح باكير.
نشر الثقافة البيئية
حتى الآن يعمل فريق المبادرة على استقطاب الشباب المهتمين بالبيئة والتحضير لمشاريع قد يتم تنفيذها فيما بعد، ويتمثّل الهدف الأساسي للمبادرة حالياً بنشر الخطاب الذي يحفّز على الاهتمام بالبيئة ويحوّله إلى جزء أساسي من حياة المجتمع السوري عبر الحديث عن المخاطر البيئية وأسباب كل منها. تقول باكير: “حتى الآن ليس لدينا أي مشاريع على أرض الواقع، باعتبار أن المبادرة تم إطلاقها حديثاً، قمنا بنشر طلب انضمام للمنظمة و لاحظنا وجود إقبال كبير من قبل السوريين على التطوع في مجال البيئة، وهذا يدلّ على وجود إمكانية عالية لنشر الثقافة البيئية بين الناس في مجتمعنا”.
كما يعتبر فريق المبادرة السورية للبيئة، العمل على معالجة المواضيع البيئية حاجة ملحة، على الرغم من وجود مواضيع يعتبرها المجتمع أكثر أولوية بعد سقوط النظام، ومن الضروري التوعية بأهميتها لأنها تدخل في صلب الحياة، فالتلوث البيئي يترك آثاراً كبيرة على الصحة الجسدية والنفسية، كما أنه يؤثر بشكل أو بآخر على الحياة المعيشية والاقتصادية، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً ببقية جوانب الحياة.