سوريون يريدون مستقبلاً أخضر.. هل تستطيع حكومتهم الجديدة تحقيق ذلك؟

مادة مترجمة  – ماريان دينين –

هذه نسخة مترجمة إلى العربية من المادة الأصلية باللغة الإنكليزية المنشورة في موقع atoms.earth بتاريخ 30 حزيران الماضي.

سقوط نظام الأسد منح الشعب السوري لحظة ثورية لإعادة البناء مع وضع البيئة في الحسبان.

عندما زار مصطفى حايد عائلته في أطراف حلب في شباط 2025، اكتشف أن والدته قد أصيبت بسعال مزمن. قال: “لم تعد تستطيع التنفس بسبب تلوّث الهواء الشديد”.

مؤسّس منظمة “دولتي” غير الربحية وخبير العدالة الانتقالية والمساءلة، نُفي من سوريا منذ العام 2011 إثر اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الأسد وقمع النظام للمعارضة، ولم يعد إلى البلاد لأكثر من عقد، حتى سقوط النظام في كانون الأول الماضي. أضاف حايد: “حتى أنا شعرت أنني شخت خلال أسبوعين فقط. الماء والهواء، وحتى الضوضاء… كلّ شيء في تدهور لدرجة تشعر وكأنّك على كوكب آخر”.

لقد دمّر التلوّث المرتبط بالصراع، إضافة إلى الإهمال المزمن وسوء إدارة الموارد الطبيعية خلال الحرب الأهلية التي استمرت 14 عاماً، البيئة السورية. الألغام منتشرة في الأراضي الزراعية. محميات طبيعية كاملة أُزيلت، ما أدى إلى فقدان نحو 40% من غابات البلاد. الملوثات الناتجة عن المباني المدمرة، وانسكاب الوقود والمواد الكيميائية، والمخلفات العسكرية تسرّبت إلى التربة والمياه. لأكثر من عقد اعتمد السوريون على مولدات خاصة ملوّثة للهواء بسبب البنية التحتية المدمرة وانعدام الكهرباء العامة. كما تواجه البلاد ارتفاعاً في درجات الحرارة وتفاقم أزمة المياه وزيادة التصحّر بفعل تغيّر المناخ.

بعد أن تخلّص السوريون من النظام الذي كبّلهم نصف قرن، وجدوا أنفسهم أمام لحظة ثورية طال انتظارها. ومع تولي حكومة جديدة السلطة، يطالب ناشطو المناخ بانتقال عادل يكون مستداماً وشاملاً، في قطيعة واضحة مع عهد الأسد الذي قوّض قدرة الدولة على الرقابة البيئية وقمع منظمات المجتمع المدني.

“التعافي البيئي أو الوعي البيئي يجب أن يسير جنباً إلى جنب مع أي عملية في سوريا الآن. سواء في بناء المنازل، أو التعافي الزراعي، أو أي مشروع آخر، يجب أن يكون الوعي البيئي جزءاً منه”، تقول المهندسة البيئية السورية سالي الرسلي.

تشير القرارات المبكرة للحكومة السورية الجديدة إلى توجه واعد نحو البيئة. حيث سيتم دمج “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء) ضمن وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث الجديدة، بقيادة الوزير رائد الصالح، الرئيس السابق للخوذ البيضاء. وستُوظَّف خبراتهم في التكيّف مع تغيّر المناخ وإزالة الألغام والبنية التحتية لمراقبة البيئة وإدارة النفايات في جهود التنظيف وإعادة التأهيل.

في الوقت نفسه، أعلنت وزارة الكهرباء خطة ثلاثية المراحل للاستثمار بشكل كبير في الطاقات المتجددة لمعالجة أزمة الطاقة. كما ستُنفّذ وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث ووزارة الإدارة المحلية والبيئة قانون البيئة لعام 2012، الذي لم يُطبَّق في عهد الأسد، والذي يفرض دراسات للأثر البيئي ومعايير لحماية التنوع الحيوي وحملات توعية عامة تربط بين صحة الإنسان والبيئة.

إلى جانب ذلك، تتحرّك مجموعات المواطنين داخل سوريا وفي الشتات للمساهمة في انتقال عادل ومستدام. تقول الرسلي، البالغة من العمر 28 عاماً، والتي تتطلع إلى استغلال خبرتها الهندسية لإعادة إعمار البلاد بعد فرارها من البلاد أثناء دراستها الثانوية: “جيلي مهتمّ فعلاً بمواجهة تغيّر المناخ والمشكلات البيئية في سوريا… رؤية هذا العدد الكبير من الناس المهتمين بجعل سوريا أنظف وأكثر خضرة يمنحني الأمل”.

مؤسسات محلية، مثل “مؤسسة الكرامة للتنمية الاجتماعية” في السويداء، التزمت بزراعة مليون شتلة في أراضٍ تعرضت للقطع الجائر خلال الحرب. كما بدأت مجتمعات سريانية-آشورية في القامشلي بزراعة أشجار إحياءً لذكرى من قُتلوا في النزاع وإثباتاً لارتباطهم المستمر بالأرض.

حتى مبادرات جمع النفايات انطلقت في أنحاء البلاد، حيث ترى منظمات مثل “مركز أهيمسا للّاعنف وبناء السلام” أن حماية البيئة جزء أساسي من ثقافة السلام التي يسعون لترسيخها.

كذلك ابتكر سوريون شبكات بحث مجتمعية لتعويض غياب المؤسسات الحكومية. اكتشف باحثون في مجموعة فيسبوك لهواة الحياة البرية اكتشاف وجود “ضفدع البوغ السوري” ونشروا نتائجهم في مجلة علمية محكّمة. ويقول الباحث البيئي والكاتب المشارك في البحث جوني بعقليني من جامعة إلينوي إن “وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أداة قوية لجمع معلومات محلية حول الأنواع والبيئة”.

لكن نجاح هذه المبادرات في السنوات القادمة يعتمد على دعم حكومي فعلي. تقول مديرة برنامج السياسات البيئية في “مبادرة الإصلاح العربي” سارين كراجرجيان إنّ “إشراك المجتمعات المحلية في عملية إعادة البناء أمر محوري”، وتضيف أنّ “آليات التضامن هي ما سمح للسوريين بالصمود أمام هذه الأزمات”.

لكن بعقليني يقول إنّه يخشى أن يعتمد مدى تأثير المبادرات التي تقودها المجتمعات المحلية على عملية التحول في البلاد، على مدى استعداد الحكومة السورية للتعامل معها.

مع ذلك، تظل الشكوك قائمة. قال إبراهيم الحلبي، ناشط سوري في مجال الحفاظ على الحياة البرية يعيش في المنفى، متخفياً تحت اسم مستعار خوفًا من الانتقام من عائلته التي ما تزال تعيش في البلاد: “أنا متشائم… ما تقوله الحكومة مجرد حبر على ورق”.

كما يحذر ڤيم زفينينبورغ، مدير برنامج المناخ والبيئة والنزاع في منظمة “باكس” PAX الهولندية، من أن التركيز المفرط على الاقتصاد قد يؤدي إلى تهميش الاعتبارات البيئية: “في حالات ما بعد النزاع، هناك ميل لإعادة تشغيل الاقتصاد سريعاً وتخفيف جميع أنواع اللوائح الأخرى لضمان عودة الاقتصاد إلى العمل، مع خطر البدء في خلق المزيد من المشكلات البيئية بسبب الإفراط في استخدام أو استخراج المياه والموارد الطبيعية الأخرى أو الاستثمار الضخم في إنتاج الوقود الأحفوري”.

في حين وعدت الحكومة بالتعاون مع المجتمع المدني وضمان الحوكمة الشاملة، يحذر المدافعون عن حقوق الإنسان من أن العديد من السوريين لا يزالون مستبعدين. ولم تُهدئ هذه المخاوف الإعلان المتسرع عن مؤتمر الحوار الوطني في شباط 2025، الذي لم يتح الوقت لبعض الأطراف المعنية بالانضمام إلى المحادثات، ولا الإعلان الدستوري الجديد لسوريا، والذي كتبته لجنة غير منتخبة.

“هناك فئات واسعة لا يُسمع صوتها، مثل سكان الأرياف، والنساء، والأشخاص ذوي الإعاقة، وهم الأكثر تضرراً من الحرب ومن التدهور البيئي. العدالة البيئية تقتضي أن يكونوا حاضرين على طاولة الحوار”، يضيف مصطفى حديد.

يشير مدير البرامج في منظمة الخوذ البيضاء والموظف الجديد في الحكومة الجديدة أحمد قزاز، إلى أن وزارة الطوارئ عقدت سلسة من الاجتماعات مع نحو سبعين منظمة مجتمعية لوضع مسودة خطة استجابة للطوارئ، معتبراً ذلك مثالاً على جدية الحكومة في إشراك المجتمع المدني في القضايا البيئية. “أحد الأمور التي توليها الحكومة اهتمامًا أكبر هو النسيج الاجتماعي بين جميع المجتمعات المحلية، لأنّ سوريا تتكون من مجموعات وكيانات وأديان مختلفة، وهذا ما نريده نحن السوريون لسوريا. هذه هي سوريا التي نأمل في بنائها ونحتاج فيها إلى مساهمة الجميع”، يقول قزاز.

سيتطلب التعاون الهادف بين المجتمعات السورية والحكومة الجديدة بشأن القضايا البيئية تعميق الثقة، وهو أمر يقول المدافعون عنه إنه لا يمكن حدوثه إلا في أوقات السلم. بدلًا عن ذلك، أدى انتشار تقارير تفيد بأن جماعات مسلحة متحالفة مع الحكومة الجديدة شاركت في مذابح ضد المجتمعات العلوية في آذار ونيسان والتي امتدت هذه الهجمات من الساحل الغربي لسوريا وصولًا إلى دمشق، إلى بث الشك بين الأقليات. تصرّ الحكومة على أنّ أنظار النظام المخلوع هم الذين ارتكبوا هذه الهجمات.

الباحث المقيم في المنطقة الساحلية غرب سوريا، أحمد آغا، والذي يستخدم اسمًا مستعارًا للحفاظ على هويته، قال إنّ “البلاد تشهد أعمال عنف متكررة لم تتوقف، ولن يكون هناك اهتمام بالبيئة طالما يخشى الناس على حيواتهم وعلى سبل عيشهم” وأضاف أنّه وللحصول على “سياسة بيئية جيدة في سوريا، فإننا نحتاج إلى التنوع وإلى السلام”.

لكي تنجح الجهود السورية ستحتاج أيضًا إلى دعم دولي كبير بما في ذلك المساعدة في إجراء تقييم بيئي بعد انتهاء النزاع لتقديم توصيات حول كيفية معالجة التلوث والتدهور البيئي الناجمين عن النزاع. عادة ما تقوم المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بإجراء هذه التقييمات. يتوقع قزاز أن تطلب الحكومة السورية إجراء تقييم قريبًا.

كما ستحتاج الحكومات الغربية والمنظمات غير الحكومية إلى تمويل المبادرات التي تقودها سوريا وتحويل ثقلها السياسي لمعالجة الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني المستمر في جنوب غرب سوريا، وقصفها للمدن السورية. يقول مدير مرصد الصراع والبيئية، دوغ واير، إن “الأمر الحاسم هو أن الضرر مستمر، مثلًا من خلال عواقب الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة”.

لا يتعلق الدعم الدولي باحتياجات سوريا فقط، بل هو اعتراف بالمشكلات المتداخلة التي تواجهها سوريا، تقول كراجرجيان، وتضيف: “الصراع والحروب المستمرة في سوريا تؤثر على المنطقة بأسرها، ويمكنكم أن تروا كيف تترابط البلدان وكيف تترابط الموارد بما يتجاوز الحدود”.

على الرغم من التحديات الهائلة التي تواجهها سوريا إلّا أنّ مستقبلاً مستداماً شاملاً ممكن مع الدعم والمشاركة المناسبتين، يقول مصطفى حايد ويضيف أنّ “الوضع سيء للغاية الآن، إنّه وضع مهدّد لكنّها أيضاً فرصة. الزراعة المقاومة لتغير المناخ، والبنية التحتية للطاقة المتجددة، وبرامج إعادة التحريج، وإدارة المياه، كلها مشكلات يمكن حلّها من خلال عملية إعادة الإعمار”.

Scroll to Top