ليلى جروج
في الوقت الذي تتزايد فيه التحديات البيئية، من تغيّر مناخي وتراجعٍ في الموارد الطبيعية، وتلوّثٍ متنامٍ يهدّد صحّة الإنسان والتوازن الإيكولوجي، تبرز أهمية المبادرات المجتمعية التي تسعى إلى بناء وعيٍ بيئيّ حقيقي وتعزيز السلوك الإيجابي تجاه الموارد الطبيعية في المجتمعات المحلية من أجل تبنّي أنماط حياة أكثر استدامة.
من بين هذه المبادرات تبرز جمعية سنديان، التي أُشهرت بالقرار رقم 2633 عام 2020م، والتي تهدف، بحسب رئيسة مجلس إدارة الجمعية سهاد علي. إلى نشر الوعي والمفاهيم البيئية السليمة، والمساهمة في مكافحة التلوّث وزيادة المساحات الخضراء وتجميلها، إضافةً إلى التعريف بالأنواع النادرة والمهددة بالانقراض وتشجيع المحميات، وحفظ الموارد الطبيعية، ودعم الإبداع والمبدعين وتشجيع العمل التطوعي.
تحمل الجمعية مجموعة من الأهداف التي تتطلب وقتاً لتظهر نتائجها، تقول سهاد علي، منها التخفيف من التلوّث إلى أكبر حدّ ممكن، والتقليل من الآثار السلبية للتغير المناخي، بالإضافة إلى حفظ التنوّع الحيويّ في سوريا، وتضيف: “التقليل من التعدي على المساحات الخضراء، والمساهمة بإعادة المساحات الخضراء الى عهدها السابق، ووصول الغابات الخضراء إلى المرحلة الأوجية، كل هذا عبر مجموعة من الأنشطة التي تقوم بها الجمعية في منطقة الساحل السوري”.
محاولات تنشئة جيل بيئي
تنقسم أنشطة الجمعية إلى ثقافية توعوية تتمثّل بمحاضرات وندوات وورشات عمل، ومشاركات ضمن المعارض، وحملات نظافة وتعاون مع جهات مختلفة لدعمهم بالخبرة في هذا المجال، بالإضافة إلى أنشطة التشجير السنوية. عن نشاط هذا العام تقول علي: “مشروع تشجير هذا العام يحمل اسم (سنعود بالزيتون والسنديان)، الذي سينقسم إلى شقين زراعي وحراجي، وهو محاولة لتعويض بعض المزارعين في مناطق بانياس والقدموس بغراس زيتون”، بالإضافة إلى حملات تشجير في المواقع الحراجية المُعدّة للتحريج والمقرر التحريج فيها من قبل دائرة الحراج في طرطوس.
يُعدّ هذا النشاط امتداداً لحملات التشجير التي بدأتها الجمعية في الأعوام السابقة، والتي حملت أهدافاً زراعيةً عملت الجمعية على تحقيقها من خلال إعادة زراعة الأنواع الطبيعية المحلية -بنت البيئة- لدعم هذه الأنواع وإعادتها إلى بيئتها الطبيعية، والتشجيع على زراعتها، والتنويه إلى مخاطر إدخال الأنواع النباتية الغريبة على البيئة المحلية.
بالإضافة إلى ذلك، تنظم الجمعية أنشطة المسير البيئي في الطبيعة، من غابات ومواقع تتميز بالغنى الطبيعي والتراثي، حيث تحمل هذه النشاطات طابعاً تعريفياً وترفيهياً، فضلاً عن “نادي براعم سنديان”، وتوّضح سهاد علي لمجلة لحلاح فكرة هذا النادي: “نستهدف فيه فئة الأطفال لتقديم مواد تعليمية وتثقيفية وفنية وتوعوية وترفيهية، مثل إعادة التدوير، والأعمال اليدوية، والرسم، والرحلات في الطبيعة، وأنشطة بيئية بهدف إيصال الأهداف البيئية التي نعمل عليها، لخلق جيل مؤمن بقضايا البيئة”.
أما عن أثر هذه الأنشطة التي تقدمها الجمعية وكيفية قياسه مقارنة بالواقع والتحديات، فترى سهاد علي أن الصعوبات تتراكم أمام هذا النوع من العمل في زمن تصنّف فيه الاهتمامات البيئية على أنها رفاهية، ويقابلها ضعف بالاهتمام على المستويين الرسمي والشعبي، لذا لا يمكن قياس النتائج بسهولة، “لكن الجمعية تتوسع ويزداد انتشارها في مختلف المستويات، وهناك إقبال شعبي على التواجد ضمن الأنشطة”، تقول علي.
بدوره يرى رئيس فريق الشباب، عبدالله غنام، أن أنشطة الجمعية تسعى لتناسب جميع الفئات العمرية كأنشطة المسير البيئي، وحملات النظافة، إلا أن دقة العمل تتطلب تخصيص بعض الأنشطة التي تناسب كل فئة عمرية، مثل أنشطة “نادي براعم سنديان”، وأنشطة “عصر الثلاثاء” وهو بحسب الغنام: “طرح محتوى أو موضوع للمناقشة من قبل أحد الاختصاصيين الأكاديميين من داخل أو خارج الجمعية- بعيداً عن الدين والسياسة”.
فريق شباب سنديان التطوعي فهو -بحسب غنام- نتيجة طبيعية لتطور الجمعية المستمر وزيادة نشاطاتها، بهدف تفعيل دور الشباب في الجمعية وطرح أفكار ضمن اهتمامات الشباب مع المحافظة على الطابع البيئي لهذه النشاطات، ويضيف: “تم مؤخراً تبنّي مسابقات موجّهة لهذه الفئة مثل مسابقة الفيلم البيئي القصير (بعيون سنديان)، ومسابقة الرسم (بريشة سنديان)”.
يوّضح غنام أن الجمعية توفّر جوّاً مناسباً لأي شخص يحمل أفكاراً بيئية لكنه يخشى من طرحها ضمن محطيه، خصوصاً خلال مرحلة المراهقة، “لهذا السبب تعمل الجمعية مع الأطفال بعمر صغير جداً لخلق مجتمع آمن من جهة، ولأن الطفل ينسخ الأفعال التي يراها من حوله، لذا يتم إشراكهم ضمن حملات التنظيف والتشجير”.
سعاد الأحمد (اسم مستعار)، وهي سيدة من مدينة طرطوس، تعتبر أن عمل الجمعية “جبّار جداً” بما يتعلّق بخلق نوع من الأنشطة بمقدرات مادية محدودة، وتتابع: “على الرغم من قلة الموارد، إلا أن نتائج عمل الجمعية تظهر واضحة في مدينة صغيرة مثل طرطوس.”، وتضيف أن قوة عمل الجمعية تكمن في تضافر جهود العاملين مع الأهالي، وخلق علاقة إنسانية مع مختلف الأعمار، من الأطفال إلى اليافعين وصولاً إلى الشباب وحتى المتقاعدين، “فالتوّجه إلى النهوض بالقيم الإنسانية عند أبناء المدينة عبر نشاطات تهدف إلى السمو بمواهبهم وقدراتهم، بالإضافة إلى الحالة الأهم وهي تنمية جيل بيئيّ، خلق حالة قبول كبيرة من الأهالي تجاه الجمعية”.
كما تشيد الأحمد باعتماد الجمعية على دمج المواضيع البيئية ضمن الأنشطة الفنية، خصوصاً للأطفال، ما يمنحهم مساحة كبيرة للتعرّف على الطبيعة من حولهم، ويخلق لديهم رغبة بحمايتها والحفاظ عليها.
تحديات العمل التطوعي والبيئي
“توّجه التمويل إلى قطاعات مختلفة دون الوقوف على الحالة البيئية للمناطق المموّلة أحد أهم التحديات أمام عمل الجمعيات البيئية في سوريا”، تقول سهاد علي، التي ترى أن الجهات الممولة تتجه نحو برامج سبل العيش، والمشاريع الصغيرة، ما قد يعيق أنشطة كثيرة للجمعية، وعلى رأسها التوّسع إلى خارج مناطق الساحل السوري للمساهمة بحملات وأنشطة في مناطق أخرى.
لكنها تشيد من جهة أُخرى بأن التعامل مع الجهات الرسمية جيد جداً هذه الفترة، “لا يوجد تعقيد بما يتعلّق بالموافقات، مع بعض الدعم البسيط جداً إن توفر في بعض الدوائر”. أما على المستوى الشعبيّ، فتردي الحالة الاقتصادية، وصعوبة تأمين المستلزمات اليومية البسيطة بالنسبة للناس، يجعل فئة كبيرة جداً ترى أن العمل البيئيّ محاط بهالة من الترف.
في هذا السياق يتطرّق غنام إلى بعض الحالات التي تقابل العمل البيئيّ بالاستخفاف، لكن وجود هذه الانتقاد لا يعني التوقّف عن العمل برأيه، “فالأثر وإن كان ضعيفاً في البداية إلا أنه لن يتطوّر إلا بالمثابرة، كما أن إقبال الناس على العمل التطوعي البيئي يدلّ على تأثير هذا العمل على الفكر الاجتماعي السائد والبيئة معاً”.



