نور سليمان –
تشهد سوريا خلال السنوات الأخيرة انتشاراً متزايداً للمبادرات الفردية، خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي وتفاقم الأزمات المعيشية والخدمية، وذلك انطلاقاً من حاجة الناس إلى دعم بعضهم البعض، وفي محاولة منهم لتعويض الغياب شبه الكامل للمؤسسات الرسمية.
لكن، اللافت أن بعض هذه المبادرات أخذ مساراً مختلفاً، إذ بدأت تظهر في مناطق متعددة مشاريع بيئية صغيرة، تهدف إلى الحد من التلوث والحفاظ على ما تبقى من ملامح الحياة فيها.
“ريفنا أخضر“.. مشهد يعكس إرادة الحياة
انطلقت مبادرة حملة تشجير واسعة بعنوان “ريفنا أخضر” في ريف دمشق كثمرة تنسيق واسع بين المؤسسات المشاركة، بإشراف الأستاذ عبد الرحمن حسين من منظمة “إنسانيون”، الذي تواصل مع عدد من الجمعيات والمجالس المحلية في مختلف مناطق ريف دمشق، داعياً من يرغب بالمشاركة إلى الانضمام للحملة ضمن رؤية جماعية موحّدة.
أُطلقت الحملة مطلع حزيران الجاري، وتهدف إلى زراعة 10,000 شجرة في مختلف مناطق ريف دمشق، في محاولة جماعية لإعادة اللون الأخضر إلى مناطق أنهكتها سنوات الحرب والإهمال.
رئيسة مجلس أمناء مؤسسة “يراع وإبداع”، رانية نكد، تحدثت لمجلة لحلاح عن نشأة الحملة، لافتةً إلى أنها “جاءت بمبادرة من منظمة إنسانيون التي تواصلت معنا كفريق ناشط في المبادرات الجماعية، وعرضت علينا فكرة التعاون الشهري في إطلاق مبادرات تطال قضايا إنسانية وبيئية، ومن هنا وُلدت حملة ريفنا أخضر كخطوة أولى على هذا الطريق”.
أوضحت نكد أن الحملة لا تهدف فقط إلى غرس الأشجار، بل إلى “تعزيز روح العمل التشاركي والتطوعي، وإلى خلق شبكة دعم محلية تتقاسم العبء وتوحّد الجهود من أجل بيئة نظيفة وريف ينبض بالحياة”.

نقص في لتمويل وصعوبات ميدانية
لم تكن الطريق ممهدة أمام الحملة، كما أكدت نكد، التي كشفت أن أبرز الصعوبات تمثلت في ضعف الإمكانات اللوجستية والمادية، وغياب الموارد الكافية لتأمين المستلزمات، وتابعت: “رغم كل التحديات، كان لتعاون الجمعيات، ودعم المتطوعين، والمساندة التي قدمها المجلس المحلي في صحنايا، دور حاسم في تخفيف العبء ومواصلة العمل دون توقف”.
شارك في تنفيذ الحملة أكثر من عشرين مؤسسة وجمعية ناشطة في ريف دمشق، وغيرهم من الشركاء الذين وحّدوا جهودهم من أجل هدف مشترك. كما ساهم عشرات المتطوعين في أعمال الزراعة، حاملين معهم أدواتهم، وحماستهم، وحرصهم على ترك “بصمة خضراء” في الأرض التي ينتمون إليها.
استراتيجية الاستمرار: التعاون أولاً
رداً على سؤال حول كيفية مواصلة العمل في ظل الظروف الصعبة، أكدت نكد أن الاستراتيجية التي يعتمدونها تقوم على التنسيق الجماعي، وتقاسم المهام والتكاليف بين المؤسسات “ما من شأنه أن يخفف الأعباء، ويفتح المجال أمام الجميع للمساهمة دون أن تُثقل كاهل جهة واحدة”، وتردف: “نعتمد أيضاً على مشاركة المجتمع المحلي، الذي يظهر دوماً استعداداً كبيراً للتطوع والمساهمة، لأن الناس بحاجة إلى أن يشعروا أنهم جزء من الحل، لا مجرد متفرجين”.
كما أكدت رانية نكد أن التفاعل الواسع من المجتمعات المحلية شكّل حافزاً كبيراً للاستمرار والتوسع، فالهدف ليس فقط زراعة الأشجار، بل زراعة الأمل والعمل الجماعي. وتضيف في هذا الصدد: “نعمل اليوم ليكون اللون الأخضر لغة مشتركة بين جميع قرى وبلدات ريف دمشق.. لدينا خطة لتوسيع الحملة نحو بلدات أخرى في ريف دمشق، والحملة مستمرة خلال الأشهر القادمة. كما أننا نطلق، شهرياً، مبادرة جديدة ضمن مشروع جماعي طويل الأمد، والهدف الأبعد هو تحويل هذه الحملات إلى نهج مستدام في العمل الأهلي”.

في السياق ذاته أعلن رئيس بلدية صحنايا، كامل متري، التزامه الكامل بدعم استمرار حملة التشجير في كافة حدائق البلدة، مشيداً بجهود الجمعيات المشاركة والمتطوعين.
اختتمت نكد حديثها لمجلة لحلاح بالقول: “نحن لا نزرع فقط شجرة، بل نغرس ثقة وأملاً في أرض أنهكها الخراب. كل يد تزرع، هي يد تصنع الحياة، ومعاً نعيد الأخضر إلى أرضنا وقلوبنا”.