رؤى النايف –
شهدت سوريا خلال السنوات الماضية تدميراً واسع النطاق للبنية التحتية التعليمية نتيجة النزاع المستمر، وتشير الإحصاءات الرسمية الأخيرة الصادرة عن وزارة التربية إلى وجود حوالي 19,400 مدرسة، منها نحو 7,900 مدرسة مدمرة كلياً أو جزئياً.
يمثّل هذا الدمار تهديداً كبيراً لاستمرارية التعليم، ليس فقط بسبب فقدان المباني، بل أيضاً بسبب الآثار البيئية المصاحبة للمدارس المتضررة.
الأثر البيئي للمدارس المدمرة جزئياً
الدمار الجزئي في المدارس يتضّمن تشقّق الجدران، تساقط الأسقف الجزئي، فقدان النوافذ والأبواب أو تلفها، ووجود أجزاء من المباني غير صالحة للاستخدام. هذه الأضرار ليست موزعة بالتساوي على جميع المناطق؛ إذ تتركز غالباً في المناطق الأكثر تأثراً بالنزاع، ما يزيد من صعوبة وصول الطلاب إلى بيئة تعليمية آمنة.
الواقع في سوريا يُظهر أن حالة الدمار في المدارس ليست جديدة، فهي لم تنجم فقط عن الحرب والأعمال العسكرية، بل تتفاقم أيضاً بسبب العوامل البيئية الطبيعية، مثل الزلازل والعوامل الجوية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك الزلزال الذي ضرب سوريا عام 2023، والذي أثر على استقرار المباني المدرسية وزاد من هشاشة المدارس المدمرة.
من دير الزور، التي تصل نسبة الدمار فيها إلى نحو 80%، تشير المعلمة سهام العارف في حديثها لمجلة لحلاح إلى حجم الدمار الذي لحق بمدرسة قرية حطلة، وتعبّر عن مخاوفها الكبيرة من تأثير هذا الدمار على العملية التعليمية.
توضح العارف أن حالة الجدران المتصدعة والمهترئة تجعل من أي تعرّض للعوامل الجوية، مثل الأمطار أو العواصف، خطراً حقيقياً على حياة الطلاب والمعلمين على حد سواء، وتلفت إلى أن تأثير هذه البيئة لا تقتصر على الأمطار الغزيرة، بل حتى في السنوات الجافة، مثل العامين الفائتين، إذ تزيد الجدران المشققة والمهددة بالسقوط من هشاشة البيئة المدرسية وتضعف القدرة على التعلم بشكل كامل، كما أن العواصف الهوائية والغبارية المحتملة في المستقبل قد تزيد من حدة الوضع.

أحد أولياء الأمور في منطقة العمال بدير الزور يقول لمجلة لحلاح: “أخاف على أولادي كثيراً، فمدرستهم مدمرة بشكل كبير، والجدران مليئة بالرطوبة والعفن. كل عام يمرض أبنائي بسبب هذه الظروف، ويصبح الذهاب إلى المدرسة تجربة صعبة ومرهقة لهم. نشعر بالقلق على سلامتهم وعلى تحصيلهم العلمي، لأن البيئة المدرسية غير آمنة ولا توفر الحد الأدنى من الراحة أو الصحة”.
وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة الصادرة في تموز الماضي، فإن ما بين 40 و50% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عاماً باتوا خارج النظام التعليمي، وهو ما يعكس التأثير المباشر لدمار المدارس على التحصيل العلمي وانتظام التعليم. كذلك؛ يؤثر وجود المباني المدمرة على البيئة المحيطة، بما في ذلك التربة والمياه نتيجة المواد المتناثرة والأنقاض، ما يجعل البيئة المدرسية غير صحية وغير ملائمة للتعلم.
من دير الزور إلى سراقب
تتشابه المخاوف بين دير الزور وسراقب بالنظر إلى حجم الدمار الذي طال المدارس. ففي سراقب، تُقدّر نسبة الدمار في المدارس بحوالي 40%، ما يجعل استمرار العملية التعليمية تحدياً كبيراً لكل من الطلاب والمعلمين، وسط مخاوف دائمة من خطر المباني المتصدعة والعوامل الجوية على سلامة الجميع.
يقول أحد العاملين في قطاع التربية في سراقب لمجلة لحلاح، وهو يقف على أطلال المدارس: “حين أنظر إلى هذه المباني المدمرة، أشعر بقلق كبير على سلامة الطلاب والمعلمين، الجدران المتصدعة والأسقف المهترئة تجعل أي فصل دراسي في خطر مستمر، ولا يمكن ضمان استمرارية التعليم في هذه الظروف”.

تأثير البيئة على العملية التعليمية
تنعكس الظروف البيئية غير المستقرة بشكل مباشر على التعليم، ففي فصل الشتاء تصبح الصفوف الباردة والرطبة عقبة كبيرة أمام الطلاب، حيث يؤدي البرد إلى صعوبة في التركيز والانتباه أثناء الدروس، كما أن انتشار العفن والرطوبة يرفع معدلات الغياب بين الطلاب والمعلمين نتيجة الأمراض المتكررة، ما يؤثر سلباً على التحصيل العلمي، علاوةً على ذلك، يعاني الطلاب أيضاً من الضغط النفسي الناتج عن شعورهم بعدم الأمان داخل المدرسة، وهو ما يضعف قدرتهم على التعلّم ويؤدي إلى انخفاض الأداء الدراسي.
تزداد خطورة المدارس المدمرة جزئياً خلال فصل الشتاء، حيث يؤدي تساقط الأمطار وبرودة الجو إلى تسرب المياه وزيادة الرطوبة داخل الصفوف، كما يضعف البرد الشديد والتهوية غير المناسبة الطلاب والمعلمين ويزيد من صعوبة الاستمرار في التعلم. إضافة إلى ذلك تؤدي هذه الظروف إلى تزايد التصدعات في الجدران والأسقف، ما يزيد من خطر الانهيارات الجزئية ويجعل البيئة المدرسية أكثر خطورة.
الأثر البيئي للمدارس المدمرة في سوريا لا يقتصر على مناطق معينة مثل إدلب أو دير الزور، بل يعتبر مشكلة عامة يعيشها الطلاب في معظم المناطق؛ فتهالك المباني، انتشار الرطوبة والعفن، وتأثير العوامل الجوية كلها عناصر تجعل البيئة التعليمية غير آمنة وغير مستقرة، ما يهدد حق الأطفال السوريين في التعليم ويضع المجتمع أمام تحدٍّ طويل الأمد لضمان استمرار العملية التعليمية في ظل هذه الظروف الصعبة.



