ليدا زيدان –
تتميّز سوريا بالتنوّع البيئي والجغرافي وغناها بالتضاريس المختلفة، وهذا يُعدّ سبباً مهماً للتنوّع الحيويّ فيها واختلاف البيئات الطبيعية التي تشكّل موطناً لأنواع مختلفة من الطيور باختلاف البيئات فيها، من الجبال إلى السهول الخصبة والأنهار والمستنقعات، كما أنها تقع على مسار رئيسي لهجرة الطيور بين أوروبا وافريقيا ما يمنحها أهمية بيئية كبيرة، لكنّ الحرب التي استمرت لنحو عقد ونصف أثّرت بشكل كبير على هذا التنوّع الحيوي وتسبّبت بفقدان جزءٍ منه.
تأثير الحرب على الطيور
تمثّل سوريا موطناً لعدد كبير من الطيور، إذ تسجّل بعض الإحصائيات وجود أكثر من 395 نوعاً، بعضها مقيمة وأخرى مهاجرة، وتتوزّع هذه الطيور في بيئات مختلفة مثل الغابات والأنهار والصحارى والمناطق الجبلية والبحر، وهناك بعض المناطق التي تعتبر غنية بالطيور وهي نهر الفرات وجبال القلمون وبحيرة قطينة، كما تُعتبر محطة هامة لهجرة الطيور كمنطقة عبور حيوي لملايين الطيور المهاجرة سنوياً، وتحديداً في موسمي الخريف والربيع، حيث تتخذ الطيور المهاجرة بين أوروبا و افريقيا من سوريا محطة لها، إما للراحة أو للتكاثر.
الأعمال العسكرية أثّرت بشكل كبير على حياة الطيور، حيث دُمّرت المواطن الطبيعية لها بفعل العمليات العسكرية، التي تسبّبت بخسارة الغابات والمستنقعات والموائل الرئيسية للطيور، كما أثّرت أيضاً على مسارات الهجرة للطيور بسبب التهديدات الأمنية وتدمير مواقع بيئية كثيرة والقصف المستمر والضجيج والسيطرة على مناطق بيئية جديدة من قبل البشر بسبب النزوح، كذلك كانت الحرائق المستمرة في الغابات، خاصة في السنوات الأخيرة، أحد الأسباب التي أدّت إلى حدوث خلل بيئي وتدمير الموائل الخاصة بأنواع كثيرة من الطيور، مع صعوبة السيطرة عليها أو إيقاف تأثيرها، بالإضافة للصيد الجائر وعدم وجود رقابة وتوقّف المنظمات التي تهتم بالمحميات الطبيعية عن العمل، وأيضاً تسبّب التلوث البيئي الناتج عن الذخائر الحربية والمواد الكيميائية سبباً إضافياً لتهديد حياة الطيور.
المهندس أحمد إيدك، وهو باحث وخبير في التنوع الحيوي، تحدث لمجلة لحلاح حول الأثر السلبي للحرب على التنوع الحيوي بكافة أشكاله نتيجة التعدي على المصادر الطبيعية والأراضي والبيئات، والصيد الجائر بالإضافة لاستعمال وسائل صيد غير قانونية وعدم إمكانية تطبيق قانون للصيد أو للحراج. إيدك اعتبر أن الصيد الذي تتعرض له الطيور في سوريا هو بمثابة “إبادة شاملة للطيور” حيث يتسبّب بفقدان كثير من الأنواع.
بحسب إيدك، فإن الحرب لا تؤثر على مسار الطيور المهاجرة، حيث تنقسم إلى قسمين “طيور مهاجرة تمر في سماء سوريا أو تتوقف قليلاً للاستراحة فقط خلال مسار هجرتها من الشمال للجنوب أو العكس، وطيور مهاجرة تزور سوريا صيفاً أو شتاءً والعديد منها يفرّخ في سوريا، أما التأثير الأكبر يكون على الطيور المقيمة والتي تعتبر سوريا موطناً لها، خاصة مع تغير الموائل التي تعيش فيها”.
تتلخص الأسباب التي تؤثر على حياة الطيور بشكل أساسي بالتغيير الذي يصيب البيئة التي تقطنها، “تختفي الطيور خاصة مع تعرض البرك الموسمية أو المسطحات المائية للجفاف أو الاستخدام الخاطئ من قبل السكان المحليين، والتلوث النفطي الذي يدمّر التربة والبيئة”، يوضّح إيدك، ويردف: ” من الصعب معرفة الأعداد والأنواع الدقيقة للطيور المتأثرة بالحرب في سوريا نظراً لعدم وجود أي خبرات علمية لدراسة التنوع الحيوي الحيواني من جهة، والوضع الأمني غير مستقر من جهة أخرى، كما أن إجراء مثل تلك الدراسات يحتاج إلى إمكانيات مادية غيرمتوفرة حالياً”.
كما أشار إيدك إلى أنه قد انتهى من كتابة دراسة علمية واسعة عن الطيور البرية في سوريا، وسيتم نشرها قريباً لتكون مرجعية علمية ليس لسوريا فقط وإنما للمنطقة الإقليمية، لكنه أوضح أن الدراسة لا تتضمن تأثير الحرب على الطيور، حيث يتطلب ذلك نوعاً خاصاً من البحث والدراسة، لكنّه شدد على أهمية إيجاد حلول قانونية جذرية لمنع التعديات على الحياة البرية.
تؤثر الحروب أيضاً على السلوكيات الطبيعية لدى الحيوانات البرية من عمليات التكاثر بالإضافة لاضطرارها البحث عن الغذاء، ويؤدي ذلك إلى هجرة جماعية باتجاه مناطق جديدة تحتوي على موارد غذائية مناسبة وبيئة تؤمن لها الحماية أثناء تكاثرها.
كيف يمكننا حماية الطيور؟
تحتاج المواضيع التي تخص البيئة والتنوع الحيوي إلى اهتمام كبير خاصة مع قلة المنظمات أو المؤسسات التي تعمل على ذلك، إذ ينبغي أن تتزايد الجهود المحلية للحفاظ على التنوّع الحيوي في سوريا من خلال إطلاق مشاريع أو مبادرات لحماية الطيور وتوثيق الأنواع الموجودة وتلك المهددة بالإنقراض، بالإضافة لذلك من المهم رفع الوعي البيئيفي المجتمعات المحلية بأهمية البيئة والتنوع الحيوي والحفاظ على الحياة البرية والعمل على إعادة تأهيل المحميات الطبيعية.
من المهم أيضاً معرفة أن التنوّع البيئي والحياة البرية هي جزء أساسي من سلسة مرتبطة ببعضها البعض، وأيّ خلل فيها يؤدي إلى فقدان التوازن البيئي، إذ تشكّل النباتات والحيوانات البرية عاملاً بيئياً هاماً وترتبط مع بعضها ضمن علاقة معقدة من الضروري الحفاظ عليها، خاصةً باعتبارها مورداُ طبيعياُ للحياة في سوريا.