نساء سوريا في مواجهة الجفاف وقلة الأمطار

ليلى جروج –

 يشكّل موسم الجفاف تحدياً جديداً للنساء في ريف حماة، حيث تعتمد النساء في الأرياف بشكل عام على العمل الزراعيّ كأحد مصادر الدخل، وما يتبعها من تربية للمواشي وبيع منتجاتها إن وُجدت، مع الاعتماد على ما تنتجه الأرض من مزروعات يمكن الاعتماد عليها كمصدر أساسيّ للغذاء.

وعلى الرغم من التوقعات بشتاء ماطر بحسب  مركز وسم  الإقليمي، الذي توّقع أن تكون معدلّات الأمطار كبيرة خلال الموسم المطريّ في أجزاء واسعة من العراق وسوريا ولبنان وخاصة خلال فصل الشتاء مع توّقع عدّة حالات ممطرة غزيرة، إلا أن المنطقة شهدت حالة من الجفاف المطريّ، ترافقت مع صعوبة في ريّ المزروعات عن طريق الآبار والمياه الجوفيّة نتيجة الحالة الاقتصاديّة المتردية المتمثّلة بصعوبة تأمين المحروقات، أو القدرة على تركيب منظومة ألواح تعمل بالطاقة الشمسيّة للآبار.

توضّح العاملة الزراعيّة سابقاً يسرى الكروم (48 عاماً) أنه من المتعارف عليه أن النساء في الريف تعمل في الزراعة أو تربية المواشي، وليس هناك فرص أُخرى مُتاحة للنساء، لكن هذه الأعمال غير مستدامة، على الأخص بالنسبة للنساء، بسبب الأمراض التي من الممكن أن تنتج عن مثل هذه الأعمال. تقول الكروم: “بعد أن شُخصّت بمرض الديسك توّقفتُ عن العمل الزراعيّ، بسبب عدم قدرتي على الحركة بحريّة وبالشكل الذي يناسب العمل، لكن مهام النساء المطلوبة منهنّ واحدة، فعندما يذهب الجميع إلى العمل في الأرض أستمر أنا في العمل داخل المنزل وكأنني ذهبت إلى العمل”.

أما المزارعة عذبة الشحادة ( 58 عاماً)، فتقول: “أعمل كمزارعة في أرضنا وعاملة في أراضي الآخرين منذ أكثر من 45 سنة، أحب العمل الزراعيّ كثيراً وتربطني حالة عاطفيّة مع الأرض، ولا أذكر طوال حياتي عام مشابه بجفافه لهذا العام، ربما الفرق أنه في السابق كان الناس قادرين على ريّ محاصيلهم في حال لم تكفيهم مياه الأمطار”.

تجد العاملة الزراعيّة ماريا العلي ( 28عاماً) أن الموسم الحاليّ ليس موسم عمل بالنسبة للنساء مقارنةً بالسنوات السابقة، وتقول لمجلة لحلاح: “هذه السنة تشهد جفافاً غير مسبوق، أنا ومثلي كثير من النساء في الريف، لا نعمل في مجال آخر، فإما أن نعمل في أراضي العائلة أو في أراضي الآخرين كعاملات زراعيّات لكي نحصل على أجور عمل يوميّة، لكن هذا العام شهد العديد من الظروف الاستثنائية مثل الجفاف الذي نشهده حالياً، والمعارك التي شهدها ريف محافظة حماة قبل سقوط النظام السابق”.

أما العاملة الزراعيّة سهير حبيب (29 عاماً) فترى أن المردود العائد من العمل الزراعيّ لا يتناسب مع الجهد الجسديّ الذي تعاني منه النساء، لكن العمل الزراعيّ أفضل من البقاء في المنزل دون عمل، تضيف حبيب: “أنا من أقصى الريف الغربي لحماة، في قريتي التي وُلدت فيها من غير المتعارف عليه أن تعمل النساء بأيّ عمل لعدم توافر فرص العمل، بعد الزواج انتقلت إلى بلدة زوجي حيث تعمل النساء بعدد محدّد جداً من الأعمال، الوضع أفضل من حيث قدرة النساء على العمل لكن الآن المردود اليوميّ للعمل الزراعيّ لا يتجاوز 20.000 ليرة سورية وهي قيمة ضعيفة جداً مقارنةً بالجهد المبذول والحالة المعيشيّة”.

أما عن كيفيّة تعامل النساء مع قلّة فرص العمل وشحّ العمل الزراعيّ  تقول سهير حبيب: “أسستُ روضة صغيرة للأطفال لكنني توّقفتُ عن العمل بعد سقوط النظام، فكّرتُ في تطوير عمل الروضة مع بداية العام الحاليّ لكن اليوم لا أعلم إن كانت عائلتي ستبقى في القرية أو سنخرج منها إلى مكان آخر، فالخوف وعدم وجود الأمان يوازي خطر الجفاف وقلّة الأمطار”.

أما ماريا العلي فتجد أن الطلب ضعيف جداً على اليدّ العاملة، لكن التوّقف عن الدراسة في سنّ مبكرة يحول دون العمل بشيء آخر غير العمل الزراعيّ.

وترى عذبة شحادة أن مردود العمل الزراعيّ كان ممتازاً في السابق، إذ تقول: “طوال حياتي عملت فلّاحة فقط، في الماضي كان الخير موجوداً بكثرة، أما اليوم فالوضع المعيشيّ اختلف بالنسبة للنساء، لكن عمل النساء في الورشات الزراعيّة قائم وموجود ولا يُستغنى عنه مقابل الآلات”، وتختم شحادة بأن التخوّف من عدم وجود مردود لعمل النساء الزراعيّ يشكّل هاجساً يلاحق معظم معظمهن، تقول: “نتخوّف من عدم وجود مردود للأرض أو مردود لعملنا، وهو عبء نفسي مضاعف مع العبء الجسدي الذي نعانيه كنساء عاملات في الأرياف”.

تحدّثت المزارعة سابقاً جميلة جمعة (72 عاماً) لمجلة لحلاح عن أعوام الجفاف التي تذكرها، وتعبّر عن استغرابها الشديد من هذا العام حيث تقول: ” أذكر الجفاف الذي حلّ في نهاية الثمانينات وفي منتصف التسعينات، حيث شهدت البلاد قلّة في الهطولات المطريّة، لكن الوضع اليوم مختلف؛ فقد ترافقت قلّة الأمطار مع حالة من الشحّ اقتصادي، وعلى الرغم من معرفتنا الجيّدة بأعوام الجفاف إلا أن هذا العام مختلف لعدّة نواحي، وربما الأمر ليس بهذا السوء لكن ما نشعر به الآن هو انعكاس للحالة النفسيّة، فبعد مجزرة الساحل السوريّ بات من الصعب أن ننظر بتفاؤل إلى أي شيء”.

لم نعتد على نشر المشاكل دون ذكر لمحةٍ عن الحلول المقترحة التي من الممكن أن تخفّف من حدّتها وتأثيرها السلبيّ، لكن ما لاحظناه أثناء إعداد هذا التقرير هو التهميش الكامل لدور النساء ومشاركتهن في صنع القرار المرتبط بحياتهن وصحتهن بشكل كامل.

باختصار يمكن القول “إن مواجهة التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية على النساء خلال الحروب والصراعات تتطلب تبنّي نهج شامل يراعي الفوارق بين الجنسين ويعزز من دور المرأة في المجتمع، وذلك عبر تنفيذ سياسات وتدابير المناسبة، وهو ما من شأنه أن يحدّ من معاناة النساء وتمكينهن من مواجهة التحديات بأقصى درجة من الفعالية.”

Scroll to Top