بشار يوسف –
تعتبر حرائق الغابات والأراضي الحراجية من الحوادث البيئية المدمرة، إذ لا تقتصر أضرارها على الخسائر البشرية والمادية المباشرة، بل تتعداها إلى التأثير على التربة، والتنوع البيولوجي، والغلاف الجوي، والمناخ المحلي والعالمي، أي أن هذه الحرائق ليست مجرد كارثة بيئية آنية، بل تؤدي إلى تغيرات عميقة ومستدامة في الأنظمة البيئية.
الأضرار البيئية الناجمة عن حرائق الغابات
بشكل عام، يمكن الحديث عن مجموعة من الآثار تتركها حرائق الغابات، أولها انبعاث الغازات الدفيئة، حيث يتم إطلاق كميات ضخمة من ثاني أكسيد الكربون (CO₂) والميثان (CH₄) وأكاسيد النيتروجين (NOₓ) إلى الغلاف الجوي، ما يساهم في تسريع الاحترار العالمي، بالإضافة إلى تدهور جودة الهواء عبر إطلاق جزيئات دقيقة ومواد سامة، مثل الفورمالديهايد وأول أكسيد الكربون، ما يؤدي إلى تلوث الهواء وتفاقم أمراض الجهاز التنفسي. علاوة على ذلك، يعد فقدان التنوع البيولوجي أحد أبرز النتائج المباشرة لحرائق الغابات، إذ تدمر النيران موائل الكائنات الحية، وتؤدي إلى نفوق عدد كبير من الحيوانات وتراجع في أنواع النباتات الأصلية، وقد تسبب في بعض الحالات انقراض بعض الأنواع المحلية.
على المدى المتوسط والبعيد، يؤدي هذا النوع من الحرائق إلى تآكل التربة وفقدان خصوبتها بفعل الرياح والأمطار نتيجةً لزوال الغطاء النباتي الواقي لها والقادر على الاحتفاظ بالماء والمواد المغذية لها، كذلك قد يتغير استخدام الأراضي فلا تعود الأنواع الأصلية للنمو، بل تهيمن أنواع نباتية غازية تغير النظام البيئي وتقلل من التنوع البيولوجي، وأخيراً، وبالنظر إلى بفقدان النباتات، تتأثر عمليات التبخر والنتح، ما يحدث خللاً في توازن دورة المياه، كما أن رواسب الرماد قد تلوث مصادر المياه القريبة.

النتائج المتوقعة لحرائق تموز 2025
تشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة ووزارة الطوارئ السورية الأولية إلى أن الحرائق امتدّت إلى أكثر من 15 ألف هكتار، حيث دُمرت مئات الآلاف من الأشجار وأجبرت النيران مئات العائلات على النزوح من مناطقهم، وفي الوقت الذي ما تزال فيه فرق الإطفاء تحاول السيطرة على الحرائق التي اندلعت في الساحل السوري منذ مطلع تموز الجاري، تساهم مخلفات الحرب غير المنفجرة والظروف الجوية غير الملائمة (الحرارة المرتفعة والرياح القوية) في اتساع رقعتها، فيما قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن مساحة الأراضي التي طالتها الحرائق وصلت إلى نحو 14 ألف هكتار، ما يصعّب من حصر النتائج المترتبة عليها.
لكن، يمكن مقارنة حرائق العام الحالي بتلك التي اندلعت في الفترة الممتدة من 8 وحتى 12 تشرين الأول عام 2020، إذ تراوحت المساحة المحترقة حينها بحسب التقديرات بين 10,000 و14,000 هكتار، وامتدت إلى أكثر من 92 قرية حيث بلغ عدد المتضررين ما يقارب 168,000 شخص، وتسببت النيران في إلحاق دمار واسع بالغابات والأراضي الزراعية، وخسائر جسيمة بأشجار الزيتون والحمضيات والتفاح؛ كما تضررت أنشطة تربية النحل والمواشي. كذلك، قُدّرت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الحريق بحوالي 210,000 طن، فضلاً عن تدهور التربة والمياه، كما تم رصد فقدان كامل للغطاء الشجري في مناطق واسعة وتدمير نحو 75% من الكتلة الحيوية فوق الأرض في المناطق المتأثرة بشدة، وتجدر الإشارة إلى أن صور الأقمار الصناعية أظهر ت ضعفاً في تجدد الغطاء النباتي حتى بعد عامين من الحريق.
بالاعتماد على عدد من المعادلات الرياضية المستخدمة في دراسات سابقة، يمكن على سبيل المثال توقع أن يصل حجم انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بعد الحرائق الحالية إلى نحو 1.6 مليون طن، وأن تبلغ نسبة الخسارة في الكتلة الحيوية للأشجار 75%، بما يعادل 900 ألف طن.

بالطبع، هناك العديد من النماذج والمعادلات المعتمدة علمياً، ولكنها تحتاج إلى مدخلات دقيقة يتم احتسابها عن طريق خبراء مختصين بالعلوم الزراعية والبيئية عقب إخماد الحرائق لقياس الأثر الفعلي لها.
باختصار، تزيد حرائق الغابات والمناطق الحراجية من فرص تفاقم مشاكل تغير المناخ، وبالتالي تدهور أنماط الحياة بصورة عامة، وبناءً على ذلك، وبغية تجنب الآثار المدمرة للحرائق، لا بد من إدارة نتائجها وفق استراتيجيات علمية، إلى جانب اتخاذ خطوات وقائية أخرى بهدف الحد من الأنشطة البشرية المسببة لها.
مراجع علمية:
Van der Werf et al. (2017). Global fire emissions database (GFED4). Atmospheric Chemistry and Physics.
Reid, C.E. et al. (2016). Critical review of health impacts of wildfire smoke exposure. Environmental Health Perspectives.
Pausas, J.G., & Keeley, J.E. (2019). Wildfires as an ecosystem service. Frontiers in Ecology and the Environment.
Shakesby, R.A. (2011). Post-wildfire soil erosion in the Mediterranean: Review and future research directions. Earth-Science Reviews.
D’Antonio, C.M., & Vitousek, P.M. (1992). Biological invasions by exotic grasses, the grass/fire cycle, and global change. Annual Review of Ecology and Systematics.
Moody, J.A., & Martin, D.A. (2009). Synthesis of sediment yields after wildland fire in different rainfall regimes in the western United States. International Journal of Wildland Fire.



