ليدا زيدان –
اعتاد اليونانيون والرومان على استخدام ما يسمى بـ”مرايا الاحتراق” وذلك من خلال استخدام الشمس أثناء طقوسهم الدينية في القرن الثالث قبل الميلاد، حيث كانوا يضعون مرايا لعكس الأشعة وإشعال المشاعل. قبل ذلك، استُخدمت الطاقة الشمسية لإشعال النار باستخدام العدسات المكبّرة، ومؤخَّراً أصبحت الطاقة الشمسية من أهم الموارد الطبيعية للطاقة، وتأتي أهميتها من كونها متجدّدة لا يمكن استهلاكها، ما يجعل استخداماتها مستدامة وتعطي حلولاً لكثير من المشاكل البيئية والاقتصادية.
ازداد في السنوات الاخيرة استخدام هذه الطاقة في العالم، بعد زيادة المخاطر على البيئة بسبب استخدام الوقود الأحفوري وتبعيات ذلك من تلوّث واحتباس حراري وضرر بيئي، فكيف يمكننا الاستثمار في الطاقة الشمسية وتحويلها لوسيلة للحفاظ على البيئة في سوريا؟
طاقة نظيفة
تأتي الطاقة الشمسية من مصدر طبيعي حيث يتم تحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربائية عبر ألواح شمسية، ويمكن استخدام الطاقة الناتجة عن هذه العملية في تشغيل أجهزة كهربائية أو سيارات كهربائية وإضاءة الشوارع والأماكن العامة، وغيرها من الخدمات التي تحتاج لطاقة كهربائية، وأهم ما يميز الطاقة الشمسية أنها نظيفة أي أنها لا تترك آثاراً ضارة على البيئة، فهي تقلل التلوث الهوائي والمائي، ولا ينتج عنها انبعاثات سامة، وهذا يعني الحفاظ على البيئة وتقليل التغيرات المناخية.
في الآونة الأخيرة أصبحت استثمارات الطاقة الشمسية أكثر انتشاراً في العالم وحدثت قفزة هائلة في مجال الطاقة وحماية البيئة. يقول المهندس في الطاقات المتجددة ماهر مرشد لمجلة لحلاح: “الاستثمار في الطاقة الشمسية مهم جداً للبيئة فهي طاقة متجددة لا تسبب تلوث بيئي كالوقود الأحفوري الذي يطلق ثاني أوكسيد الكربون ويساهم في الاحتباس الحراري”.
حققت استخدامات الطاقة الشمسية تحولاً مهماً في العالم حيث ساهمت عام 2023 بتوليد 12% من الطاقة الكهربائية عالمياً، وتقول التوقعات إن هذا الرقم قد يتجاوز 30% عام 2030، بالإضافة لإمكانية نمو سوق تخزين الطاقة الكهربائية من 20 غيغا واط إلى 150 غيغا واط عام 2030، كما تفوّقت استخدامات الطاقة الشمسية على طاقة المياه والرياح، لتشكّل ثلاثة أرباع القدرات للطاقة المتجددة.

تاريخ الاستثمار بالطاقة الشمسية
يعود تاريخ أول مجمع شمسي إلى العام 1767، وهو جهاز يقوم بتجميع الأشعة الشمسية، ومع بداية القرن التاسع عشر بدأ العمل على تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة لها استخدامات متعددة، وأول من قام بتجارب على ذلك هو العالم الفرنسي ألكسندر بيكريل الذي استطاع تحويل الطاقة الشمسية لكهرباء عام 1839، ونتيجةً لذلك استطاع اكتشاف ظاهرة التحويل الكهروضوئي، والتي بُنيت على أساسها التقنيات الحديثة في استخدام الطاقة الشمسية.
أول خلية شمسية استخدمت فيها مركبات السلينيوم على طبقة رقيقة من الذهب، كانت من قبل العالم تشارلز فريتس، لكنها لم تحقق نتائج جيدة نظراً لسوء كفاءتها ، بعدها قام “راسل أول” باختراع خلية شمسية من السيليكون عام 1941، من ثم طوّر علماء في العام 1954 من شركة بل الأمريكية أول خلية شمسية فعالة، استطاعوا من خلالها تحويل 6% من ضوء الشمس إلى طاقة كهربائية.
استثمار ناجح
بالإضافة لكون الطاقة الشمسية نظيفة وتساعد في الحفاظ على البيئة هي أيضاً استثمار ناجح، فالمدة الزمنية اللازمة لإنشاء مشروع طاقة شمسية قصيرة حيث يمكن أن يتم ذلك خلال شهرين. يوضح مرشد: “يبدأ الإنتاج بمجرد انتهاء المشروع والربط على الشبكة ورغم أن تكلفة الإنشاء عالية إلا أنها لا تحتوي على تكاليف جارية أو تكاليف صيانة فقط يتم غسل الألواح كل شهر أو أكثر بحسب المنطقة والمناخ”.
يحتاج هذا النوع من المشاريع لمساحات من الأراضي ليتم وضع الألواح فيها، الدولة كانت تعيق الاستثمار وتنفيذ مثل هذه المشاريع بسبب ذلك، يتابع مرشد: “القوانين في النظام السابق كانت تمنع إنشاء مشروع طاقة شمسية على أرض مرخصة زراعياً، جميع المشاريع الموجودة في سوريةاهي صغيرة، هناك مخططات لمشاريع كبيرة بانتظار تعديل القوانين”.
تتراوح استطاعة المشاريع المنفذة في سوريا حالياً بين 100-500 كيلو واط لكل مشروع، وعن طريقة تنفيذ المشاريع من هذا النوع وما تحتاجه من أدوات يشرح مرشد: “تحتاج هذه المشاريع للألواح والانفيرترات ومن ثم التوصيل، يتم تركيب المحطة وربطها على الشبكة العامة للدولة، ومن ثم يباع الناتج ضمن عقد مدته عشرون سنة تكفل فيه الدولة شراء الطاقة”.
يضيف مرشد أن “هذه المشاريع رابحة، ويحتاج إنتاج كل كيلو واط ما يقارب 500 دولار أمريكي، لكنها تعيد رأس المال بعد ست سنوات، ومن الممكن أن تزرع الراضي من حولها، وأيضاً في حال انتهاء المشروع، وإزالة الألواح الشمسية لا يؤثر ذلك على خصوبة التربة، يمكن للدولة أن تقوم بهذه المشاريع لكنها بحاجة لقوانين تسهل العمل، من أجل تشجيع المستثمرين للبدء بمشاريع من هذا النوع”.